الإرهاب آفةٌ كبرى… وتبقى تركيا أردوغان سنداً له، لتعيق جهود إيجاد حلٍ سياسي لأزمة سوريا
الافتتاحية*
أوجُه مآسي الشعب السوري بكل مكوناته، باتت مكشوفةً ويُندى لها جبين البشرية، فعلاوةً على طاحونة العنف التي تبتلع الأخضر واليابس دون هوادة، فإن الوضع الإنساني ينحدر إلى آخر سلم أولويات القوى الدولية والإقليمية المتنازعة في وعلى سوريا، التي كان بإمكانها ولازال تطبيق الجانب الإغاثي والإنساني من قرار مجلس الأمن /2254/ المجمع عليه بشكلٍ حقيقي وبحيث يُخفف البؤس عن الناس إلى حدٍ ما، إن تجنبت ربطه بأجنداتها ومصالحها الخاصة؛ فمعاناة ومِحن أهالي المناطق الخاضعة للاحتلال التركي ونازحيها المهجرين قسراً، وقاطني مخيم الهول وغيره في شرق الفرات، ومئات آلاف نازحي ريفي إدلب وحلب، تُبين بجلاء مدى الفظاظة التي وصلت إليها سياسات وممارسات الأطراف المتصارعة.
وإذا كانت معارك «مكافحة الإرهاب» هي المبرر في التجاوزات والاعتداءات التي تقع على المدنيين لدى جهاتٍ عدة، إلا أن التدابير والإجراءات التي من المفترض اتخاذها لم تكن وحتى الآن في مستوى حماية حياتهم والتقليل من معاناتهم.
بعد ما حققت تركيا مرادها من مسار أستانا – سوتشي ومن عَقْدِ صفقاتٍ مع روسيا وإيران وأمريكا، بتوسيع نفوذها في الشمال السوري واستهداف الدور والوجود الكردي، عبر نقاط المراقبة واحتلال مناطق (عفرين، اعزاز، الباب، جرابلس، كري سبي/تل أبيض، سري كانيه/رأس العين) بالترافق مع مصادرة قرار الائتلاف السوري- الإخواني المعارض والسيطرة على ما يسمى بـ (الجيش الوطني السوري) ليجعل عناصره دمى ومرتزقة، وتنسيقها وتعاونها مع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة- القاعدة سابقاً) وميليشيات إسلامية متطرفة أخرى… بدأت حكومة أنقرة بالمماطلة والتسويف والمناورة في تنفيذ التزاماتها بـ «فصل الإرهابيين في إدلب وغربي حلب وتأسيس منطقة عازلة حول الطريقين M4 و M5»، بل كشفت عن مواصلة دعمها للميليشيات الراديكالية بحجة «الدفاع عن المدنيين» وباشرت بتعزيز وجودها العسكري في مناطق إدلب في مواجهة القوات الروسية والسورية، إضافةً إلى تهديد الرئيس أردوغان دون خجلٍ أو وجل بالاستمرار في عمليات عسكرية جديدة لقواته داخل سوريا، وهو الذي وجد ضالته في تغيير الهندسة الديموغرافية لمنطقة عفرين بتوطين مكثف لمهجَّري ريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حلب الغربي فيها، بينما يبتز أوروبا بقضية اللاجئين مرةً أخرى؛ ومن جانبٍ آخر يستغل الوضع المأزوم في إرغام الآلاف من المرتزقة الموالين له على الذهاب إلى ليبيا، ولأجل التغطية على مسرحياته يدفع بجموعٍ منهم نحو جبهات ريف حلب الغربي والباب- شمال شرق حلب… كل ذلك وتركيا تناور بهدف تحقيق المزيد من المكاسب في الشأن السوري وعلى صعيد علاقاتها مع الدول الكبرى، وليس من أجل سواد عيون المرتزقة أو لحماية المدنيين السوريين والدفاع عن قضاياهم الوطنية.
ما دام الإرهاب آفةٌ كبرى منتشرة كالسرطان بين شعوبٍ ودولٍ كثيرة، وهو الأخطر والأفظع من الاستبداد، فإن تنظيمات داعش والنصرة والتركستاني وميليشيات المرتزقة وغيرها المتطرفة هي العائق الأكبر أمام أي حوارٍ سوري – سوري وأي حلٍ سياسي لأزمة بلدنا، وهي التي استخدمتها حكومة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان أداةً خلال سنوات الأزمة السورية لأجل بسط نفوذها وتحقيق مآربها، في مقدمتها القضاء على دور وحضور الكُـرد وتشتيت وجودهم التاريخي والثقافي على أرضهم؛ لذا تبقى مسألة مكافحة الإرهاب وتشكيلاته المختلفة ودحرها في سوريا أولوية وقضية استراتيجية، وستبقى أنقرة تلعب بأوراق هذا الملف وتعرقل كافة الجهود الرامية إلى إنهاء الإرهاب على أرض بلدنا وإيجاد حلٍ سياسي لأزمته، ما لم تتفق الدول الكبرى «روسيا وأمريكا وأوروبا» على وضع حدٍ لسلوكيات وممارسات تركيا السلبية والبغيضة والتوسعية وغرور رئيسها، مع رسم خطةٍ لتسوية الوضع السوري بإشراف الأمم المتحدة.
إن عودة الأمان والاستقرار ولو نسبياً إلى كافة المناطق السورية وتحسين الأوضاع الإنسانية ووضع حدٍ لإراقة الدماء، وتعزيز الحوار السوري – السوري، تبدأ بسحب تركيا لقواتها المحتلة من مناطق عفرين وغيرها من الشمال السوري، كي تسير مساعي إيجاد حلٍ سياسي سلمي للأزمة السورية نحو الأمام وتتكلل بالنجاح.
- جريدة الوحـدة – العدد 316 – كانون الثاني 2020 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).