الموروث الثقافي- السياسي الكردي حُبلى بقصة «وحـدة الصف الكردي»، لما عانى الكُـرد عبر التاريخ من تشتتٍ وضعفٍ ومنازعات بينية، أججها واستفاد منها دائماً خصومهم ومغتصبي أرضهم، خاصةً وهناك محطات مؤلمة خلال مائة عام مضت ماثلة في أذهانهم.
بطبيعة الحال لا يمكن فصل النتاج السياسي الكردي، لاسيما «وحـدة الصف» عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وعن تبعات تقسيم أرض «كردستان التاريخية»، ولكن كان للتزمت الفكري والانتهازية والأنانية والمصالح العشائرية – العائلية أو الشخصية دوراً بارزاً في تباعد قادة العمل السياسي الكردي وتشرذم جماهيرهم هنا وهناك.
رغم اعتماد الحركة السياسة الكردية في سوريا النضال السياسي السلمي خياراً استراتيجياً منذ تأسيسها، واستنادها لوجود الكُـرد في سوريا وسعيها لرفع الاضطهاد عنهم وتأمين حقوقهم القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد، لم تسلم من الانقسامات والمناكفات، حيث أن الخوض في تبيان الأسباب والتبعات مسألة شائكة، لسنا بصددها؛ بينما كان لها محطات وحدوية مفصلية هامة، إبان أحداث 2004م بصيغة «مجموع الأحزاب الكردية» وفيما بعد مشاركتها مجتمعةً في ائتلاف «إعلان دمشق»، وكذلك توصُّلها لصيغة «الهيئة الكردية العليا» في 2012م.
لعل أي طرفٍ كردي في سوريا مرغمٌ أن ينادي بـ «وحـدة الصف»- لحفظ ماء الوجه على الأقل، والتي أضحت شعاراً للمفلسين ولمن لهم أجندات خاصة أيضاً؛ إذ يغوص في التناقضات الثانوية، وأحياناً يتقصد ذلك، وينسى التناقض الأساسي واستراتيجيات العمل السياسي التي تخدم مصلحة الشعب.
أحدهم ينادي بوحدة الصف ولكن لا يتنازل قيد أنملة عن مشاريعه وخططه وأفكاره، وآخر يضع اشتراطات ولا يقبل أن يصافح أحداً قبل أن يضمن حصصه من السلطة والمال والنفوذ.
فهل يُعقل ومن الممكن هدم الإدارة الذاتية القائمة وإعادة بنائها من جديد بقرارات فوق «سياسية وإدارية وعسكرية» بالتوافق وتوزيع الحصص والمناصب بين جميع الأطراف- على كثرتها، مثلما أُريد لها في بداياتها عبر اتفاقات لم تلقى النجاح؟ أم يتوجب إعادة النظر في هيكليتها وتطويرها بوضع عقد اجتماعي – سياسي جديد لها، ليتم تحديثها من الأساس بمشاركة مجتمعية وفق قواعد ديمقراطية، ضمن استراتيجيات بالإمكان الاتفاق عليها، وإفساح مساحة عملٍ واسعة لجميع الأطراف في مجال العلاقات والتكتيكات وأمورٍ تخدم الصالح العام.
إن هيئةً تمثيلية سياسية كردية منتخبة عبر مؤتمرٍ ما أفضل بكثير من أن يتم الاتفاق على الحصص أو يتبوأ فلان منصباً ما في الإدارة الذاتية أو يخصص لذاك الحزب حصةً فيها؛ وإبعاد وصاية العسكر عن الإدارة أهم بكثير من كيفية تقسيم مناصبها بين الأحزاب؛ ووضع نظام مالي وضريبي شفاف للإدارة أهم بكثير من كيفية توزيع الموارد بين الأطراف المشاركة فيها؛ ووضع نظامٍ تربوي وتعليمي جديد أهم بكثير من حشر السياسة والحزبوية فيه؛ ووضع نظام جديد للدفاع الذاتي يخلو من الحزبية ووفق مبادئ وطنية صرفة أهم بكثير من مسألة أي ضابطٍ يتولى هذا المنصب وكم هي حصة كل طرف في القيادة العسكرية…
إن الاتفاق على كل شيء بسلةٍ واحدة ضربٌ من الخيال والاشتراط عليه تعجيزٌ مقصود، الأهم في «وحـدة الصف» هو الاتفاق على أساسيات الجانب السياسي وإعلانه والالتزام به وتشكيل هيئةٍ تديره، ومن ثم الانتقال إلى الجوانب الأخرى تدريجياً… إذاً لنضع الاشتراطات جانباً ونتحاور، لنتفق على ما هو ممكن أولاً! لنقول معاً لا للاحتلال التركي لمناطقنا! لا للتهجير القسري والتغيير الديمغرافي في مناطقنا! لا للمرتزقة وداعش والنصرة والإرهاب! لا للتفاوض المنفرد مع النظام أو المعارضة! نعم للدولة التعددية الديمقراطية اللامركزية!…
ها هي مرجوحة «وحـدة الصف الكردي» تعلو وتهبط… فأين ستستقر؟ لاندري، ولكن لكل قصةٍ نهاية، ربما لا نتمكن من لم شملنا جميعاً، ولكن بالأكثرية أمرٌ ممكن ويسير.
- جريدة الوحـدة – العدد 316 – كانون الثاني 2020 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).