أول منتدى عالمي للاجئين في جنيف، تفاؤل أممي… شكوك حول أعداد اللاجئين السوريين في تركيا
جريدة الوحـدة*
انعقد في قصر الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية على مدار ثلاثة أيام 16- 18 كانون الأول/ديسمبر 2019 أول منتدى عالمي حول اللاجئين، كاجتماع لـ /3/ ألف مشارك، بين لاجئين ورؤساء دول وحكومات وقادة للأمم المتحدة ولمؤسسات دولية ولمنظمات تنموية ورواد أعمال وممثلي مجتمع مدني.
استضافت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المنتدى بالشراكة مع سويسرا، وتنسيقٍ مع كل من كوستاريكا وإثيوبيا وألمانيا وباكستان وتركيا؛ بهدف «تعزيز الاستجابة العالمية والإدماج»، حيث قالت المفوضية «يكمن الهدف من المنتدى في الخروج بطرق جديدة والتزامات طويلة الأجل من مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة من أجل مساعدة اللاجئين والمجتمعات التي يعيشون فيها»، وأوضحت «هناك الآن أكثر من /70/ مليون شخص بين لاجئ ونازح جراء الحروب والصراعات والاضطهاد في جميع أنحاء العالم، منهم أكثر من /25/ مليون شخص ممن اضطروا للفرار عبر الحدود الدولية وهم غير قادرين على العودة إلى ديارهم».
تركزت نقاشات المنتدى على «ستة مجالات رئيسية وهي: ترتيبات تقاسم الأعباء والمسؤوليات، والتعليم، وفرص العمل وسبل العيش، والطاقة والبنية التحتية، والحلول، وقدرات الحماية».
وأعلنت المفوضية نتائج المنتدى عبر بيان، والتي تلخصت في (تعهد المشاركين بقيمة /7.7/ مليار دولار، تقديم أكثر من /770/ وعداً في مجالات متنوعة، القطاع الخاص أطلق وعوداً من شأنها توفير /15/ ألف وظيفة للاجئين، تعهدت حكومات في مجالات الطاقة والبنى التحتية والتعليم مع تغيير تشريعات لتسهيل توفير الدراسة لأبناء اللاجئين، إعلانات في مجال إعادة الإيواء وفق برنامج لإيواء لاجئين في بلد ثالث ومنها أكثر من /30/ ألف مكان إيواء خلال عام 2020م في أوروبا)؛ حيث أن مفوضية اللاجئين قدَّرت عدد اللاجئين المحتاجين إلى إعادة إيواء بـ/1,44/ مليون. وقالت الأمم المتحدة أن المنتدى مكّن المجتمع الدولي من دخول «منعطف» جديد.
وقد شارك الرئيس أردوغان في اليوم الثاني من المنتدى وحاول استعطاف العالم لدعم مشروعه بتوطين مليوني لاجئ سوري في مناطق بشمال شرق سوريا احتلتها تركيا، إذ قال: «لنستخرج معاً النفط من الآبار التي يسيطر عليها الإرهابيون في سوريا، ولننجز مشاريع بناء الوحدات السكنية، والمدارس، والمستشفيات، في المناطق المحررة من الإرهاب، ونوطن اللاجئين فيها.. ولكن لا نلمس استجابة لهذه الدعوة، لأن النفط أهم بالنسبة لهم»، وذلك في نيةٍ مبيتة لتنفيذ مشروع تطهير عرقي بحق الكُـرد ومكوناتٍ أخرى.
ومن جهته قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين- السورية لوكالة سانا، في 19/12/2019: «من جديد يحاول أردوغان استغلال المنابر الدولية للترويج لخططه المشبوهة حول ما يسميه بـ (المنطقة الآمنة) المزعومة واستخدام قضية عودة اللاجئين ذريعة لإبعاد مليون من السوريين إلى المناطق التي يحتلها في الشمال الشرقي من سورية في إطار عملية إبعاد وترحيل جماعي قسري لسكان تلك المناطق وإحلال آخرين مكانهم».
ومن جهة أخرى، رغم أن الظاهر يؤيد رواية تركيا في استقبال المهاجرين السوريين الفارين من أتون المعارك والأزمات التي لفحت بلادهم منذ أواسط 2011م ودعمهم إنسانياً، لكن المؤكد أيضاً أن حكومة العدالة والتنمية دأبت على استخدام ورقتهم في صفقاتها السياسية وأطماعها في سوريا. إذ ابتزت الأوربيين ولا تزال بفتح الباب أمام تدفق المهاجرين نحوهم، وكذلك في استمالة أوساط واسعة من المعارضة نحو الولاء والتبعية لها والإمساك برقبة ما تسمى بـ (الجيش السوري الحرّ والوطني)، إضافةً إلى السير في خطى توطينهم في مناطق شمال سوريا بغية تغيير ديمُغرافيتها على حساب هوية وحقوق سكانها الأصليين، خاصةً الكُـرد منهم.
ودائماً تسعى تركيا إلى تضخيم أعداد اللاجئين السوريين لديها (أكثر من 3.6 مليون) وحجم الأموال المصروفة عليهم (40 مليار دولار)، رغم أن من يعيشون في المخيمات داخل تركيا لا يتجاوزون /110/ ألاف شخص والبقية يعتمدون على كدّهم وأعمالهم، فيما تساعدها الأمم المتحدة ببرامجها الواسعة والاتحاد الأوربي بمبلغ /6/ مليار يورو بموجب اتفاقية رسمية خلال الفترة بين 2016 و2019، إذ يؤكد الاتحاد الأوربي التزامه بخطة الدفع، ولكن حكومة أنقرة تتهمه بالتقصير وعدم الوفاء بالتزاماته، دون أن تقدم بيانات شفافة عن أوجه الصرف؛ حيث أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك يوم الجمعة 11 تشرين الأول 2019 أنّ تصريحات أردوغان بشأن اللاجئين «ابتزاز» لأوروبا و»ليست في مكانها».
من جانبه شكك كمال كليشتدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض – تركيا في المبالغ التي أنفقت على اللاجئين السوريين، قائلاً: لا أعلم هل تم فعلاً إنفاق /40/ مليار دولار على السوريين، لا أحد يعلم هذا الرقم صحيح أم خاطئ.
وذكر معهد «DeZim» الألماني في دراسة حديثة أن أعداد اللاجئين السوريين في تركيا قد يكون أقل بكثير من المعلن عنه رسمياً، وأنه من الواقعية اعتبار عدد اللاجئين يقترب من /2.7/ مليون سوري، مشيراً في ذلك إلى أرقام للهيئة التركية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين، إضافة إلى «تقديرات علمية».
ويعتبر هذا المعهد جزءاً من المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة في برلين، الذي تدعمه وزارة الأسرة الألمانية. وخلص معد التقرير إلى أن طريقة رفع البيانات بشأن اللاجئين تعتريها مواطن ضعف كبيرة، «حيث لم يكن هناك، على سبيل المثال، نظام متسق لضبط طريقة تسجيل اللاجئين وإعادة تسجيلهم في أماكن أخرى» مما يعني أيضاً، وفقا للدراسة، أنه لم يتم حذف الذين عادوا إلى سوريا أو استمروا في طريقهم إلى أوروبا من النظام.
ما يؤكد على استنتاجات الدراسة تلك وشكوك المعهد، أن جميع السوريين الذين كانوا يعبرون الحدود منذ عام 2011م بشكل غير شرعي، ويتم إلقاء القبض عليهم من قبل حرس الحدود أو الشرطة التركية، كان يتم تسجيل بياناتهم الشخصية ضمن قوائم اللاجئين السوريين، وإن تم إعادتهم لسوريا فوراً أو تُركوا للذهاب إلى الداخل التركي- في السنوات الأولى- ومعظمهم قد هاجر إلى أوروبا، علماً أن المعابر الحدودية قد أغلقت منذ نهاية 2015م، فعلِق مئات آلاف السوريين بدون مساعدة في مخيمات نزوح وقرى على الجانب الآخر من الحدود – داخل سوريا، وقام حراس الحدود الأتراك بعمليات إعادة جماعية بإجراءات موجزة وقتلوا وجرحوا سوريين كانوا يحاولون العبور.
هذا واتّهمت منظمتا «العفو الدوليّة» و «هيومن رايتس ووتش» الحكومة التركية، يوم الجمعة 25 تشرين الأول في بيانين منفصلين، بأنها رحّلت لاجئين سوريين قسراً إلى بلدهم خلال الأشهر التي سبقت إطلاق عمليّتها العسكريّة في شمال شرق سوريا. وأنها أجبرت سوريّين على توقيع وثائق تفيد بأنّهم يريدون العودة «طوعاً» إلى سوريا، وذلك عبر «الخداع أو الإكراه». في وقتٍ لا زالت فيه الأوضاع في سوريا غير آمنة وغير مستقرة. وذلك من أجل توطين قسمٍ منهم على الأقل في منطقة عفرين أو في الأيام والأسابيع القادمة ضمن مناطق كري سبيه (تل أبيض) و سري كانيه (رأس العين)، في سياق سياسة تغيير ديموغرافي ممنهج.
بينما «مفوضية اللاجئين» التابعة للأمم المتحدة تقول بأن «الغالبية العظمى من طالبي اللجوء السوريين لا تزال… بحاجة لحماية دولية» وبأن «على الدول ألا تعيد قسراً السوريين والمقيمين سابقاً في سوريا إلى سوريا»؛ فتركيا ملزَمة بقاعدة عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي العرفي، والتي تحظر إعادة أي شخص بأي شكل من الأشكال إلى مكان يواجه فيه خطراً حقيقياً بالاضطهاد أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة أو تهديد الحياة. ليس مسموحاً لتركيا أن تستخدم العنف أو التهديد بالعنف أو الاحتجاز لإجبار الناس على العودة إلى أماكن حيث قد يتعرضون للأذى.
إضافةً إلى الاحتقان الشعبي نحو اللاجئين السوريين والإشاعات الرائجة حولهم في تركيا، يتناول الرئيس أردوغان شأنهم بمنطق الراعي مع القطيع، فها هو يعلن جهاراً عن نيته لتوطين مليونين منهم في مناطق شمال شرق سوريا، متناسياً حقوقهم ومطالبهم المشروعة.