نحن والسلم، ولادةٌ من الألم، وجورٌ موغلٌ في القدم، في ظل نظام طاغٍ هرم؛ من غربنا المتأزم، تعالت الحمم، في تونس شدُّوا الهمم، سعدنا وكانت البداية؛ من مصر امتدت الحكاية، وتطابقت الوسيلة مع الغاية، راية تتهاوى تلو راية.
قلنا: استفاق العرب، بعدما اشتد بينهم الصَخبُ، تراءى لهم الطريقُ والدربُ، لكل منّا نصيب، في مستقبلنا القريب؛ تذكرنا احتجاجات المنكوبين، وثورات الأسبقين، من روسيا إلى أوروبا قبل دهرٍ وحين، كيف تهاوت سلماً عروش الطاغين؛ لكن شرقنا المسكين، ليس كغيره من بلاد العالمين، ثورات أناس مستضعفين، ركبتها أمراء والإخوان المسلمين، فزادوا في الغيّ غياً، انتقاماً لانهزامات السنين.
في وطننا المستكين، دهراً من الزمن وسنين، كان البعث أشد الطاغين؛ ازداد القتل أضعافاً، وسفك دماء البريئين، طالت بنا الأيام والسنين، وتغاضى عنّا العرب، والشرق والغرب أجمعين؛ تتالت المؤتمرات والقمم، مجالس العرب وهيئة الأمم، ولا شيء في وطننا، سوى القتل والتدمير، ومزيدٌ من الدم والتحطيم.
صار في ديارنا «الدولة الإسلامية» بزعامة أبو بكر البغدادي، فصارت تُهدد الجميع في العلن؛ مجاميع من حثالات الأمم، امتهنت القتل والنهب والسبي، أعداء الحضارة والسلم، في جوارنا، من خلف حدودنا، في شمالنا ثمة من سهَّل مرورهم، من مهَّد عبورهم، وقدَّم لهم المشورة والدعم؛ توسَّعت «الدولة الإسلامية» وتعاظمت، بفعل فاعل يبتغي منها الظلم، فاستباحت أجزاء عزيزة من بلادنا، وهاجمت الكُـرد بأوامر من (سلطان المؤمنين)، وتسببت بالكوارث والمحن.
في خضم صراع المتقاتلين، حينما تصدرت «ثورتنا» كتائب المسلحين، قررنا أن ننكفء جانباً إلى حين، وبتنا على يقين، إن ثورةً ارتادها جحافل الجهاديين المتطرفين، ستكون مثواها الجحيم؛ تَحضر بعضنا لما هو آتٍ، رغم شح الإمكانات، شباب وشابات، لا يهابون الممات، نذروا أنفسهم للدفاع عن الذات.
دقت ساعة الرعب، فزع الشرق، وارتعب الغرب، وصاروا يجولون بالقرب، فـ «الدولة الإسلامية» صارت تضرب الكل بالطول والعرض؛ من يتبنى المعضلة، من يحل المشكلة، لا أحد سوى الكُـرد! خشوا أن يفقدوا المبادرة، أن تخرج الأمور عن السيطرة، وتضيع جهود السنين، فهرعوا للمساعدة والدعم لأجل دحر الإرهابيين.
ركضنا، نحن الكُـرد وبتعاضد من إخوة أبناء البلد، حملنا الراية، حاربنا بصدق، كنا شجعان – بشهادة الشهود – وحققنا الغاية، كان الشرق لنا صديق، كان الغرب لنا رفيق، دعمونا عند كل ضيق، واعتبرونا في مسار الحرب أفضل شريك؛ حينما حانت النهاية، انهارت «الدولة الإسلامية»، ولى الذعر وعدنا للبداية، كَشَّر (السلطان) عن أنيابه، فَخَّرَ له حلفاؤنا واعتبروه خير صديق، منحوه أرضنا عربون محبة وإحياء صداقتهم من جديد، وتناسوا ما كان بيننا من عهدٍ ووعدٍ وتمجيد.
لجأنا لمركز درانا، لنُعيد ترتيب قرارنا، لكن هيهات!… تبين أنه بعقله القديم وفي غروره مستديم، ضعيفٌ وليس بيده قرار المصير.
في الأفق جمرٌ من نار، يتلظى من جديد ليعيد المشوار؛ فهل من العدل، أن يُذبح الكُـرد كرمى للأشرار!؟.
رغم الألم، رغم الدمار، لا ننكسر، لن ننهار، ولنا في المستقبل القريب، حقوق وشأن وقرار، ولن يكون للباغين والأشرار، سوى الهزيمة والعار ومزبلة التاريخ.
* جريدة الوحـدة – العدد 315 – كانون الأول 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).