لَعلَّ أي سوري وأينما كان يَعُدُّ الأيام بلياليها، منذ ما يقارب تسعة أعوام، لاهثاً وراء بريق أملٍ في وضع حدٍ لمحنة بلده؛ وها قد أمضينا عاماً آخر على جرحنا النازف، ولايزال العنف يحصد أرواح أبناءنا وينهش في جسد بلدنا.
رغم كل الظروف والنتائج المريرة لم تتعظ بَعد أطراف النزاع في سوريا من هول الكارثة، في غياب عملٍ جاد من أجل تفعيل حوارٍ سوري- سوري أو السير في درب حلٍ سياسي ما، بل تمضي في اشتراطاتها ومراهناتها وإن بدرجاتٍ متفاوتة؛ فأركان الاستبداد في السلطة وأمراء ومرجعيات الجهاد الإسلامي السياسي على صعيد المعارضة تمضي في غَيّها، إضافةً إلى تلك التنظيمات الإرهابية من داعش والنصرة وغيرهما والتي تشكل وجودها على الأرض خطراً دائماً على سوريا دولةً وشعباً، حيث تمركزت كتلتها الأكبر في محافظة إدلب التي شهدت مؤخراً أعمالاً قتالية ساخنة أدت لحركة نزوح كبيرة من المدنيين، في وقتٍ كان بالإمكان فيه التخفيف من معاناة ومآسي المدنيين أينما كانوا، بالاتفاق والتنسيق بين القوى الدولية الفاعلة بدلاً من تجيير معاناتهم لصالح أجنداتها الخاصة والابتزاز في ملف اللاجئين، وذلك بتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن /2254/ المجمع عليه دولياً، المتعلقة بالمجال الإنساني، والتي تُمهد الأجواء فعلياً لإنجاح الحوارات والمفاوضات.
بالعودة إلى الدور التركي المريب في الشأن السوري، والذي أخضع الائتلاف السوري – الإخواني المعارض والميليشيات السورية المسلحة لقرار أنقرة، فقد تحولت تلك المناطق الخاضعة لعمليات الغزو المسماة بـ (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) إلى بؤر توتر ومناطق غير آمنة، تسودها الفوضى والفلتان، بل وشهدت انتهاكاتً واسعةً وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الكُـرد ومكوناتٍ أخرى، لإجبارهم على النزوح، بهدف إجراء تغيير ديمغرافي للمنطقة؛ لاسيما وأن الوجود التركي يُعَدُّ احتلالاً بمختلف معايير القوانين والمواثيق الدولية، وبالتالي تتحمل حكومة أنقرة كامل المسؤولية عنها.
وقد شَهِدَ عام 2019م حدثين كبيرين، أولهما هزيمة «الدولة الإسلامية- داعش» المزعومة وإعلان الانتصار عليها في شهر آذار من قبل قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والتحالف الدولي المناهض للإرهاب، في آخر معقلٍ لها بالباغوز، وثانيهما غزو منطقتي كري سبي/تل أبيض و سري كانيه/رأس العين من قبل تركيا ومرتزقتها من الميليشيات الإسلامية المتطرفة في شهر تشرين الأول، والذي جاء بمثابة غدرٍ لـ «قسد» ومكونات شمال شرق سوريا لدى اتخاذ الإدارة الأمريكية قرار سحب قواتها من المنطقتين وإعطائها الضوء الأخضر لأنقرة بتنفيذ عدوانها الذي أدى إلى تهجير حوالي /300/ ألف نسمة من المدنيين وآلاف الضحايا الشهداء والجرحى وإلحاق الدمار بالبنى التحتية والمنازل والمحلات والمرافق العامة والممتلكات.
كان ولا يزال دور «قسد» والإدارة الذاتية وقوى سياسية مؤيدة لها في شمال وشرق سوريا حافظاً للسلم الأهلي وأسس العيش المشترك وحامياً للحدود السورية، إلى جانب دورها المحوري في محاربة الإرهاب، إضافةً إلى دورها الإيجابي والبناء على الصعيد الوطني بشكلٍ عام.
كما شهد العام 2019م زيادةً في معاناة شعبنا السوري، من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بشكلٍ حاد خلال الأشهر الماضية، لأسبابٍ عديدة لا مجال لذكرها هنا.
بعد كل ما جرى من ويلاتٍ ومآسي، لا يمكن إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، بِتنا في العام 2020م، فلا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال استتباب الأوضاع وتسوية النزاعات في سوريا بالشكل الذي يريده طرفٌ ما؛ وحريٌ بالحكومة السورية – بالدرجة الأولى- تحمل مسؤولياتها الوطنية، والكف عن رهانها على الخيار الأمني – العسكري، لتعمل على إنجاح حلٍ سياسي لأزمة البلاد بإشراف الأمم المتحدة، لاسيما تَقَبُل الحوار والمفاوضات مع «قسد» والإدارة الذاتية بشكل جدي بما يضمن الاعتراف بها وحفظ الحقوق والواجبات على حدٍ سواء، نحو وضع أسس دولةٍ لامركزية تعددية ديمقراطية تمنح كافة المكونات حقوقها وتحميها، منها الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، في إطار وحـدة البلاد.
ونحن على عتبات عامٍ جديد، علينا جميعاً الإفتكار والعمل بحكمةٍ وعقلانية، بعيداً عن نزعات الغرور والإقصاء والتطرف، عسى أن نخفف من معاناة شعبنا ونزيل العقبات وأي استعصاءٍ أمام العمل السياسي والحوار الوطني البيني، ونضع بلسماً لجرحنا النازف.
* جريدة الوحـدة – العدد 315 – كانون الأول 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).