القسم العاممختارات

تركيا تلعب وتُناور، أمريكا وروسيا تتنافسان، الناتو وأوروبا في إرضاء ومسايرة أنقرة… والأزمة تطول

الافتتاحية*

بات واضحاً أن النظام التركي يلعب بأوراقه (مصالح اقتصادية، نفوذ إقليمي وإسلامي، قوة عسكرية، قواعد للناتو، اللاجئين، جاليات تركية، جمعيات مؤدلجة وتنظيمات راديكالية مسلحة…) وتناور بين ثلاث جهات، روسيا وأمريكا وأوروبا، لاسيما بخطابٍ ابتزازي ومتعجرف، واستعلاءٍ فج على دول وشعوب المنطقة، إلى حد تجاوز الأعراف الدبلوماسية؛ وبدلاً من تماشيه مع سياسات حلف الناتو الذي انضمت إليه تركيا عام 1952، يسعى لفرض أجنداته على الحلف ودوله.

ومن الواضح أيضاً أن إدارة الناتو وأغلب دوله تساير النظام التركي، رغم مخالفاته العديدة لمبادئ الحلف، من اعتداء على حلفائه في محاربة الإرهاب و «داعش»، قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، واقتنائه لمنظومة اس- 400 الروسية الصنع التي تشكل تهديداً لمنظومات الطيران والدفاع لجيوش الناتو، ونسجه لعلاقات سياسية واقتصادية ضخمة مع روسيا، وبقائه محتلاً للجزء الشمالي من قبرص، وإصراره على إجراء عمليات التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية لقبرص وتوقيعه اتفاقاً مع حكومة طرابلس في مجال الغاز والمياه الإقليمية، في تحدٍ لدول المتوسط وأوروبا؛ وابتزازه المستمر للدول الأوروبية بملف اللاجئين وعناصر «داعش» الذين في حوزته، حيث أن أوروبا تسعى لمراضاة تركيا ودفع البقية من المبلغ المتفق عليه /6/ مليار يورو مع تركيا في 2016 مقابل وقف تدفق اللاجئين، ولم تلغي دولها بَعدْ عقود بيع الأسلحة لتركيا.

لم تصغي تركيا لنداءات برلمانات وأحزاب وصحافة ومجتمع مدني وشخصيات ومعظم الدول على مستوى العالم في الكف عن عمليتها (نبع السلام) العدوانية على شمال شرق سوريا، ولا تأبه لكل تلك الأصوات المطالبة بوقف الانتهاكات والجرائم التي تُرتكب يومياً في مناطق عفرين وكري سبي/تل أبيض وسريه كانيه/رأس العين وريفها، مع محاسبة المسؤولين عنها، بل وتتمادى في تطبيق سياسات التطهير العرقي بحق الكُـرد ومكونات سورية أخرى، لتتحول تلك المناطق من آمنة ومستقرة نسبياً إلى مناطق تعيث فيها الميليشيات الفساد والإجرام تحت أنظار الجيش والاستخبارات التركية وإشرافها.

وإن بذلت واشنطن وموسكو جهود مضنية في وقف إطلاق النار بين تركيا و «قسد» بموجب اتفاقيتين منفصلتين متتاليتين، لا تزال قوات الاحتلال التركي ومرتزقتها تخرقه بهجمات عديدة في محاولةٍ للسيطرة على المزيد من الأراضي السورية، وقد اعترى معظم مناطق منبج وشرق الفرات حالة من التوتر والقلق والتنافس بين القوات الأمريكية والروسية بالترافق مع ما هو بين القوات التركية و»قسد» والجيش السوري، وانتعشت معها خلايا داعش النائمة نسبياً.

تركيا التي ساهمت في تدمير سوريا عبر دفع المعارضة نحو التسلح والعنف، وثَقَلَتها بالجهاديين المتطرفين الإرهابيين، وأمسكت برقاب الائتلاف السوري – الإخواني المعارض وأغدقته وتلك الميليشيات الإسلامية الراديكالية بالمال السياسي بالشراكة مع قطر، أطالت من عمر الأزمة السورية وبددت فرصاً لحل أزمتها، آخرها تشكيل «لجنة دستورية» مشوهة مبتورة، وكذلك تجنيد أنقرة للائتلاف والميليشيات في محاربة دور الكُـرد وحضورهم في سوريا واحتلال مناطق في شمالها.

ولا تزال الحكومة السورية تتعامل مع المعارضة، كُـرداً وعرباً وغيرهم، بمنطق التعالي والفوقية، وهي غير جادة في إحداث تغييرات سياسية، وغير متحمسة في التقدم بحوارات اللجنة الدستورية المحدثة أو مع «قسد» والإدارة الذاتية.

الأجدى للسوريين جميعاً خلق فضاءٍ رحب للحوارات السورية- السورية لتهيئة أرضية مناسبة لإيجاد حل سياسي لأزمة البلد، في إطار قرار مجلس الأمن /2254/ المجمع عليه دولياً.

* جريدة الوحـدة – العدد 314 – تشرين الثاني 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى