إن اتفاق شهر أُكتوبر والذي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن طريق التويتر انسحاب القوات الأمريكية من غرب كوردستان والذي كان بمثابة ضوء أخضر لإبادة الشعب الكوردي من قبل أحد السلاطين الأتراك الشرسين، قبل مئة عام من الآن قام أجداد هذا السلطان بإبادة الشعب الأرمني والذي يعدّ أحد الشعوب العريقة في هذه المنطقة، وأن هذه التجربة يتم تكرارها مع شعب عريق آخر هم الكورد.
عندما قامت آخر قافلة للجيش الأمريكي بالانسحاب من مدينة قامشلو الكوردية في غرب كوردستان بناءً على أوامر الرئيس الأمريكي باتجاه مدينة أربيل في جنوب كوردستان تم رجمها بالحجارة، وهذه المشاهد أعادت ذاكرتي إلى مشاهد استقبال الجيش الأمريكي بالورود بعد عملية تحرير العراق في جنوب كوردستان. إن المدة الزمنية بين الحادثتين ليست كبيرة وهي /16/ سنة، ولكنه أمر مخجل ومثير للاستياء أن تصبح العلاقة بين حليفين مثار سخرية أعدائهما المشتركين.
لدى الكورد والأمريكان تاريخٌ من العلاقات المعقَّدة، فعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي يقول بأن الكورد لم يشاركوا في الحرب العالمية الثانية، ولم يقدموا المساعدة للأمريكان، ولكن بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، كان الكورد حلفاء مهمين للأمريكان في محاربة الإرهاب بمنطقة الشرق الأوسط والعالم.
في العقدين الأخيرين قامت الجماعات المتطرفة وأعداء أمريكا بقتل الآلاف من جنودها، ولكن الجيش الأمريكي لم يتعرض إلى أي هجوم أو استهداف في المناطق التي يسيطر عليها الكورد، وإنما أصبحوا درعاً لحماية هذه القوات في المنطقة، بالمقابل فإن حليفهم الأمريكي تركهم لقمةً سائغة للآخرين، في الوقت الذي لا زالوا يعملون فيه معاً ضد بقايا داعش.
هذه حقيقة، بأن الكُورد يناضلون من أجل حماية كرامتهم ومبادئهم الأخلاقية، و لولا استشهاد 12 ألف شخص في غرب كوردستان و3 آلاف في جنوب كوردستان وإصابة 20 ألف آخرين منهم، فان المنطقة والعالم كانت ستكون في فوضى وعدم استقرار أكبر.
هنالك حقيقة مرَّة، هي أن الكورد يستندون في عملهم على المبادئ الأخلاقية، وبسبب ذلك يعتمدون على وعود وكلام من يُعتبرون حلفاء لهم، وأنهم لأجل الوفاء لأصدقائهم، مستعدين للتضحية بحياتهم، ولكن حلفائهم في الغالب تركوهم ودون اكتراث ضحيةً لسيوف أعدائهم، وهذا الأمر صعب عليهم ويجلب العار لحلفائهم الذين خذلوهم.
إنه لأمر صعبٌ جداً، وبدرجةٍ من انعدام الأخلاق، أن يتخلى رئيس أكبر دولة في العالم «التي قام الكُورد بتقديم تضحيات جسام في التحالف معها ضد الإرهاب» عنهم بهذه السهولة، ويقول بأنه أعطاهم المال مقابل تضحياتهم!
للكُورد تجربة مع انعدام الأخلاق وانعدام الخجل لدى حلفائهم وانعدام الرحمة لدى أعدائهم في القرن العشرين، لكن في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن الأخلاق والقيم العالمية أصبحنا ضحايا قوى الظلم والظلام، وبتنا في عصرٍ ينعدم فيه الخجل على الصعيد السياسي.
انظروا كيف الضمير الإنساني قد انعدم ومات لدى الكثيرين من القادة السياسيين، فعلى الرغم من شن الحرب على الشعب الكوردي، لا يزال يقوم أبنائه بحماية وحراسة السجون التي يقبع فيها مسلحي تنظيم داعش، حيث أن إطلاق سراحهم سيكون خطراً على الاستقرار لدى الجميع، ولكن الأمر الغريب أن الرئيس الذي تستند صداقاته على المصلحة يقول بأن(الاقتتال بين الأتراك والأكراد) هو (اقتتال أطفال)!.
قبل خمس سنوات، عندما كنت في إقليم كوردستان، تم دعوتي من وزارة الخارجية الأمريكية للمشاركة في دورةٍ مدة شهر، وخلال الدورة تمت الإشارة إلى القيم والمبادئ العامة والعالمية وتاريخ تأسيس المؤسسات، فتعلمت منها الكثير. ولكن في الأسبوع الماضي عندما شاركت في مظاهراتٍ ضد الهجمات التركية و قرار ترامب بالانسحاب من شمال شرق سوريا، سمعت شعارات تدعو أمريكا إلى الخجل بسبب مواقفها، وهذا كان محبطاً جداً بالنسبة لي، لكنني فضَّلت ترديد شعارات تدعو ترامب للخجل وليس أمريكا، كوننا لازلنا نعتقد بأن أكثرية المواطنين الأمريكان ومسؤوليهم متعاطفين مع الكورد. ففي الوقت الذي نتعرض فيه للابادة الجماعية لا زلنا متمسكين بالمبادئ الأخلاقية والوفاء لأصدقائنا. أشخاص مثل ليندسي كراهام وآخرين من أصدقائنا في أمريكا يجب عليهم أن يعلموا بأن الكورد لا يزالون يعولون على وفائهم ودعمهم.
إذا ما استمرت الحرب الشعواء على الشعب الكوردي، ستتحول إلى إبادة، مثل إبادة الأرمن والهولوكوست والجرائم الكبرى الأخرى المسجلة في الصفحة السوداء من تاريخ البشرية، ولكن الكورد سيستمرون في نضالهم، كي لا يخلو العالم من المبادئ والقيم الأخلاقية، وكي يحس المسؤولون بالخجل عن ما يحصل لهم ويطلبون الاعتذار منهم.