القضية الكردية في سوريا من الإنكار الوطني إلى الفضاء العالمي الأوسع… تظاهرات حاشدة في المدن الأوروبية
إعداد: محمد علي كيلا*
منذ أكثر من ستة عقود مضت، ناضل الكُـرد دون انقطاع لإقناع الشركاء في الوطن السوري بعدالة قضيتهم وضرورة حلَّها في اطار الوطني السوري، إلا أنه ليس فقط لم يلقى طلبهم هذا آذانا صاغية من الطرف الآخر، بل أقدم على اتخاذ قوانين وإجراءات عنصرية استهدف وجود الشعب الكردي وقضيته وعمل على خلق بيئة شوفينية حاقدة على كل ما يتعلق بالكُـرد ووصفهم بالبعبع الذي يهدد الأمن القومي، وما الذي نشهده اليوم من مواقف وسياسات ونزعات عدائية تفوح منها رائحة الاستعلاء القومي الفج، سواءً من النظام أو المعارضة التي تتحكم بقرارها جماعة الإخوان المسلمين، إلا ثمرة تلك العقلية الإنكارية العروبية المقيتة التي سادت المجتمع السوري طيلة العقود الماضية. ومنذ بداية الأزمة السورية طفت القضية الكردية على السطح وبرز العنصر الكردي كلاعب أكثر اتزانا في معمعان التراجيديا السورية سواءً من خلال رفضه المشاركة في الحرب الأهلية أو نجاحه في إدارة المناطق ذات الأغلبية الكردية بجميع مكوناتها، وتبوئه دوراً ريادياً في محاربة المجموعات الإرهابية التي استهدفت الكُـرد وجميع محبي الحرية والديمقراطية أينما كانوا، وعدم انخراطهم في المشروع التركي المنبثق من الميثاق الملي الذي ينص صراحةً على اعتبار الشمال السوري والعراقي ملك لتركيا. جملة هذه العوامل والمكتسبات التي تحققت في المناطق الكردية دفعت بحكومة حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية الأكثر عنصريةً في تركيا للقيام وبتواطؤ روسيا الاتحادية وفي ظلها النظام السوري وبمشاركة مجموعات إرهابية تابعة للائتلاف السوري المعارض-الإخواني بالإجهاز على تلك التجربة الفتية، باحتلال منطقة عفرين (كرداغ) عسكريا في 18 آذار 2018 وتشريد أكثر من نصف سكانها الأصليين وتوطين الغرباء فيها والاستيلاء على ممتلكات الكُـرد وممارسة أبشع أنواع القهر والظلم، وتَعمُّد إذلال الكُـرد المتبقين لإجبارهم على ترك مناطقهم من جهة وكسر إرادة المقاومة التي تميز بها الكردي على مرّ التاريخ؛ واستكمالاً لهذا المشروع العنصري المُهَجَّن بالتطرف الديني البغيض أقدم الرئيس التركي الحالم بالسلطنة الإسلامية واستعادة أمجاد العثمانيين على شنِّ عدوان تركي جديد يُضاف إلى سجله الأسود، في 9 تشرين الأول 2019، على مناطق شمال شرق سوريا التي تميزت وباعتراف الجميع وخاصةً قوى التحالف الدولي بقيادة أمريكا بأنها المناطق الأكثر أمناً وأماناً بالمقارنة مع بقية المناطق السورية.
مع بدء عملية الغزو وما تسمى بـ (نبع السلام) تحركت الجالية الكردية والكردستانية في دول الاغتراب بالمسيرات والتظاهرات المنددة بالعدوان التركي ومرتزقته من المجموعات الجهادية في عواصم وكبريات مدن أوروبا، والاتصال بمختلف الجهات ذات الشأن وخاصة البرلمانات الأوروبية والسفارات الأمريكية، موضحةً الهدف والغاية الحقيقية لهذا العدوان الغير مبرر وحجم وفظاعة الجرائم التي يرتكبها الجيش التركي ومرتزقته بحق أهل المنطقة من المدنيين العزل.
إن الغاية الحقيقية للعدوان التركي هي:
1- الانتقام من قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، لدحرها وإنهائها للدولة الإسلامية المزعومة (داعش) الحليفة لسلطان المسلمين المزعوم رجب طيب أردوغان.
2- حملة تطهيرٍ عرقي بحق الشعب الكردي وتغيير ديمغرافية المنطقة وتوطين أتباع حزب العدالة والتنمية من الإسلام السياسي، بدلاً عن السكان الأصليين؛ تمهيداً لضم الشمال السوري إلى تركيا تحت شعار (أهل المنطقة هم يقررون).
وبعد أن تبين حقيقة النوايا التركية العدوانية الهمجية، عمَّت المسيرات والتظاهرات الاحتجاجية المنددة بالغزو التركي في مجمل الدول الأوروبية وتجاوز عددها لـ/225/ ضمن حوالي /23/ يوماً، وتوزعت وفق ما يلي:
– أكثر من /25/ تظاهرة في المدن البريطانية: لندن, ليفربول, مانشستر, إضافةً إلى مظاهراتٍ في إقليم اسكتلندا.
– أكثر من /50/ تظاهرة في المدن الألمانية: برلين, بون, كولن, بريمن, هانوفر, فرانكفورت, دورتموند, كيل، آخن، ومدن أخرى.
– أكثر من /40/ تظاهرة وفعاليات أخرى في فرنسا، معظمها كانت في العاصمة باريس.
– أكثر من /10/ تظاهرة في إيطاليا، معظمها في العاصمة روما.
– أكثر من /18/ تظاهرة في سويسرا، معظمها في مدينة جنيف.
– أكثر من /10/ تظاهرة في النمسا، معظمها في العاصمة فيينا.
– أكثر من /7/ تظاهرة في بلجيكا، معظمها كانت أمام مبنى برلمان الاتحاد الأوروبي في العاصمة بروكسيل.
– أكثر من /8/ تظاهرة في هولندا، معظمها كانت في مدن أمستردام وروتردام.
– أكثر من /20/ تظاهرة في الدانمارك، معظمها كانت في مدن: كوبنهاغن, أوغوص, أودينسا.
– أكثر من /20/ تظاهرة في المدن السويدية: ستوكهولم, شوبينك, كالمر, كارلستان, يوتوبوري. هنا لا بد من الإشارة إلى أن مسؤول مقاطعة «كالمر» خاطب في إحدى المظاهرات وطالب أهل المقاطعة بعدم السفر بغرض السياحة إلى تركيا التي ترتكب الجرائم بحق الإنسان.
– أكثر من /15/ تظاهرة في المدن النروجية: أوسلو, بيرغن, سيرتيفينغة, تروندهايم.
بالإضافة الى نشاطات وفعاليات أخرى مثل اللقاءات مع الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني الأوروبية، وتوزيع المناشير على عامة الشعب، والوقوف أمام المكاتب السياحية وشركات الطيران وخاصة التركية منها، والدعوة إلى مقاطعة البضائع والمنتجات التركية عبر البيانات والمناشير ومواقع التواصل الاجتماعي بعدة لغات، وإقامة الندوات والمعارض لعرض صور الضحايا والمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال وأعوانه من الراديكاليين.
إلى جانب التغطيات الإعلامية المكثفة والاهتمام السياسي والحقوقي المتواصل بأوضاع شمال شرق سوريا على المستوى العالمي، تميزت تلك النشاطات والفعاليات بتعاطف ومشاركة واسعة من مختلف الجهات الأوروبية الرسمية والشعبية – يسار ويمين – ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات ونقابات عمالي، وبعضها كانت بدعوةٍ منها وتنظيمها، مثل:
– تظاهرة بتاريخ 26/10/ 2019 نُظمت في مدينة كوبنهاغن من قبل أحزاب ومنظمات دانمركية مثل حزب القائمة الموحدة Enhedslisten وحزب SF وإحدى المنظمات العمالية F3 ومنظمة مدنية تدعى «بين الشعب».
– بتاريخ 1 /11/2019 دعت نقابة العمال الإيطالية إلى مظاهرة حاشدة في العاصمة روما تنديداً بالعدوان التركي.
لابد من التأكيد على أن سرّ هذه الصحوة العالمية وخاصة الأوروبية والتضامن الواسع مع الشعب الكردي وقضيته، ليست عدالة تلك القضية ولا ثمرة طبيعية لنجاح سياسي أو دبلوماسي لأي طرف كردي أو كردستاني، وإنما يعود الفضل في ذلك بالدرجة الأولى إلى أولئك الأبطال من مقاتلي وحدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ و «قسد» الذين سطَّروا أروع الملاحم في مقارعة أعتى التنظيمات الإرهابية التي أرعبت العالم بجرائمها, وتكريماً لدمائهم الطاهرة وحجم تضحياتهم وبسالتهم في المقاومة نيابةً عن العالم أجمع .