العدوان التركي على الأمان والاستقرار… إدانات سورية وكردستانية ودولية واسعة
الافتتاحية*
لا تزال الدول المتدخلة في الشأن السوري بشكل مباشر والمتصارعة على البلاد تتعاطى مع أزمتها المستفحلة بمنطق الصفقات والتفاهمات – من تحت الطاولة أحياناً- انطلاقاً من أولويات مصالحها، رغم أنها مفضوحة، وإن كانت على حساب الشعب السوري ودماء أبنائه؛ وبالتالي تتعقد الأزمة وتطول، وتأتي بعض سبل الحلّ المُساقة مبتورةً وعرجاء، على غرار اللجنة الدستورية التي تشكلت مؤخراً، فهي لا تمثل الشعب السوري بكل مكوناته بشكلٍ عادل وحقيقي، خاصةً وأنه تم إقصاء الكُـرد من التمثيل فيها كمكون أساس في النسيج السوري، لهم حضور سياسي وعسكري وازن على الساحة السورية، وليس بخاف على أحد دورهم البارز في التصدي للإرهاب والتطرف وضد أطماع تركيا التوسعية وفضح سياساتها العثمانية الجديدة؛ فمن العبث تهميش وإقصاء قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ومظلتها السياسية مجلس سوريا الديمقراطية مع الإدارة الذاتية، وإن كان هناك بعض الكُـرد في تركيبة اللجنة من خلال آلية الائتلاف السوري المرتهن للجانب التركي. إضافةً إلى عدم تَوفُر أرضية مناسبة لنجاح عمل اللجنة، من إجراءات بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة والتخفيف من المعاناة الإنسانية في الداخل السوري.
الاحتلال التركي لمناطق إعزاز والباب وجرابلس عام 2016م، ومن بعدها لمنطقة عفرين عام 2018م، وحالياً العدوان الجديد على سري كانيه (رأس العين) وكري سبي(تل أبيض) وغيرهما بشمال شرق سوريا في تشرين الأول 2019م، جاء ضمن تلك الصفقات السيئة والمهينة للشعب السوري عموماً وبمثابة تطهير عرقي للكُـرد خصوصاً وتغيير ديموغرافي لمناطقهم، في مسعى القضاء على «وحدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ» و «قسد» التي ساهمت بجدارة في دحر الدولة الإسلامية المزعومة وجبهة النصرة في شرقي حلب وريفها الشمالي، بينما تحظى بقايا «داعش» وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وحراس الدين والتركستاني وغيرها من ميليشيات إسلامية متطرفة برعايةٍ وحمايةٍ تركية، بل وتستخدمهم ضد «قسد»، في ظل تغاضٍ روسي وأمريكي عن سلوك تركيا ومرتزقتها، واستفادة أنقرة من اللعب على حبال الصراع بين الدولتين العظميتين.
علاوةً على الالتفاف الشعبي حول «قسد» والتنديد الجماهيري للغزو التركي، الحكومة السورية أيضاً دانته رسمياً، بل ولبى الجيش السوري طلب الإدارة الذاتية في نشر وحداته ببعض المواقع الحدودية وأطراف منبج ضمن تفاهمٍ مع الجيش الروسي، وإن كانت الحكومة غير جادةٍ بَعدْ في الحوار مع «قسد» والإدارة الذاتية لأجل وضع حلولٍ وطنية تضمن حقوق الجميع، بل تتعامل باستعلاء وتردد؛ كما تعالت مواقف مسؤولة وأصوات نبيلة من داخل سوريا وخارجها تدين العدوان التركي الذي يقتضي إعلاناً صريحاً وواضحاً بإدانته من بعض الكُـرد المتناغمين مع أنقرة تحت مظلة الائتلاف السوري- الإخواني، خدمةً لترتيب البيت الكردي وتعزيز العمل المشترك بشكل أفضل، كما هناك تقصير وتنصل لدى بعض القوى العربية السورية المتأثرة بالرواية التركية والمال القطري من إبداء موقفٍ وطني يدين ذلك العدوان المُستهدف للكُـرد والأمان والاستقرار السائدين في تلك المناطق.
ما يُثلج صدور الكُـرد ويعزز إرادة الصمود لديهم، هو درجة الوعي والتلاحم الذي يتحلى به أبنائهم، وتلك البطولات التي يسطرها مقاتلو «قسد» في وجه آلة الحرب العسكرية التركية، وحجم التضامن الكردستاني معهم وتلك التظاهرات التي عمت مدن كردستانية وأوروبية، والتعاطف والتأييد الكبيرين لقضاياهم على مستوى الرأي العام والشعبي الدولي ولدى المئات من الحكومات والبرلمانات والمنظمات ووسائل الإعلام، وإن لم تُترجم بشكلٍ فعَّال إلى قرارات تمنع وقوع العدوان على شمال شرق سوريا وتردع تركيا وترغمها على الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها.
بعيداً عن نظريات المؤامرة والنأي بالنفس عن المسؤولية، نبقى نحن السوريون المسؤولون بالدرجة الأولى عن أوضاعنا، وعلينا المبادرة إلى تعزيز أواصر التواصل والحوار بيننا، حكومةً ومعارضة، بكل أطيافها الوطنية، بجدية وقناعة تامة، نحو بناء أسس العيش المشترك وحلٍ سياسي عادل طموح لأزمتنا، لنقطع الطريق على الاستبداد والتطرف والإرهاب، وعلى أطماع تركيا التوسعية وعدائها للكُـرد السوريين، ولإنهاء احتلالها لمناطق عديدة في شمال سوريا.