لم تكن مُصادفةً ذلك التشابه الكبير بين الجميلتين «هفرين» و «عفرين»، فكلتاهما امتلكتا الهدوء والرقة، الاتزان والسمعة! لكن كلتاهما أيضاً تعرضتا للإجرام والغلّ ذاته أثناء قتلهما بدمٍ بارد، فيما كانت صيحات التكبير تتعالى من ذات المليشيات التي تحتمي بذات الجهة الراعية لإرهابها مُمثلةً بالفرع التركي من الإخوان المسلمين، وهو حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة!
ففي الثاني عشر من تشرين الأول، اغتيلت هفرين خلف السياسية الكردية السورية ذات الأربعة وثلاثين ربيعاً، بعد أن أُوقفت سيارتها على الطريق العام، وقتل من معها، لينال عملاء العثمانية الجديدة منها، فتُسحل السيدة ويُنكَّل بها وتُعذَّب، ليتلقى أخيراً جسدها الغض العديد من الطلقات، فترقد شهيدةً… نعم! لقد اغتال وحوش العصر أيقونة السلام والرقي والقيّم الوطنية.
جريمةٌ آثمةٌ خشع أمامها العالم وخجل من ذاته، فأيَّما كانت الحجج التي غَزَت بها تركيا مناطق شمال سوريا، لم تكن لتبرر تحويل أناس آمنين، كانوا مستقرّين نسبياً في مناطقهم منذ ثماني سنوات، إلى فرائس لوحوشٍ آدَمية، بعد نعتهم بـ (الكفار والملاحدة)، وتُصبح حياتهم تشريداً ومآتم ومهانة وعذاب وتغيير ديموغرافي وتطهير عرقي تبعاً لما يستطيب لأردوغان رؤيته له.
وما هفرين الاسم العلم المعروف إلا اختصاراً لحال مدنٍ ومئاتٍ من المدنيين والمقاتلين ممن ارتقوا ظلماً أو بطولةً خلال تصديهم لغازٍ لا مشكلة له إلا في وجود مكونٍ بنفسه وطمعاً في بلدٍ آخر، مشكلةٌ تقض مضاجعه منذ أن تأسس في العام 1923 من القرن المنصرم. لكنه لا يزال مصرّاً على عدائه في إنهاء الكُـرد ومحوهم من الوجود، متوهماً بقدرته على ذلك، غير مُدركٍ أن الجبال لم تعد وحيدة في ظهرهم، وأنه بات لهؤلاء الكُـرد ملايين الأصدقاء والمحبين حول العالم، رفضوا أن يتم التخلي عنهم، حتى لو فعله سيد البيت الأبيض في واشنطن، وأن أبناء الكُـرد باتوا أشدَّ وعياً وبأساً وأكثر استعداداً للتضحية والدفاع عن قضاياهم العادلة، بل وعن قيَم الحضارة الإنسانية؛ ليلتقوا ويتشاركوا مع محبي الحرية والكرامة الإنسانية في العالم على محاربة الإرهاب والتكفيريين والعنصريين، فكان لهم اليد الطولى في دحر «الدولة الإسلامية في سوريا والعراق» المزعومة وقتل (خليفتها أبو بكر البغدادي)- الأكثر خطراً على البشرية- في جحره بقرية «باريشا» في ريف إدلب، بأحضان جبهة النصرة وبين نقاط المراقبة التركية وعلى مقربةٍ /6كم/ من الحدود!… لتهتز عروش سلاطين وأمراء الإرهابيين وداعميهم، وليغدو أردوغان ورفاقه وحلفائه من تنظيمات الإخوان المسلمين والقاعدة والميليشيات الإسلامية المتطرفة ودويلات قطر والصومال وحركة حماس أكثر حنقاً على الكُـرد من أي وقتٍ مضى.
خمسة عشرة يوماً فصلت بين استشهاد هفرين وقتل البغدادي، اختزلت عقوداً من الترهيب التركي بحق الكُـرد، واختزلت أيضاً تضحيات جسام ونضالاً دؤوباً للكُـرد في مواجهة ذاك الإرهاب، وعكست قوة إرادة شعبٍ مكافح في مجابهة قوى الظلم والظلام.
شتَّان بين ممارسة الإرهاب فعلياً واتهام الآخرين به وشتَّان! فالعالم بأسره بات يُدرك حق الإدراك من هو الإرهابي ومن هو الساعي للسلام والمدافع عن نفسه وحقه؛ وهل هناك من مجالٍ للمقارنة بين «هفرين» و»البغدادي»، بين «الخير» و»الشر»، بين «الكُـرد» و»تركيا أردوغان»؟