حوار مع السياسي الكردي سليمان جعفر
في الشهباء ذاق العفرينيون الأمرَّين، كأنهم في سجن كبير!… الإدارة الذاتية تُقدم الخدمات، ومطلبنا إنهاء الاحتلال التركي لعفرين
«لا يعرف المرء عمق المعاناة، إلاّ أن يقترب أكثر من الناس ومشاعرهم… ولأجل أخذ صورةٍ حية عن أوضاع مُهجَّري عفرين قسراً، القاطنين في مناطق الشهباء وبعض قرى جبل ليلون وفي بلدتي الزهراء ونبل وتلرفعت وديرجمال- شمالي حلب، وعمّا يختلج في عقولهم ونفوسهم من آلام ومطالب، أجرينا حواراً مسهباً مع السياسي الكردي سليمان جعفر- الرئيس المشترك للمجلس التشريعي لإقليم عفرين، والمقيم هناك»
هيئة التحرير*
س1- بدايةً، لو تضعون القارئ الكريم بصورةٍ عامة عن أحوال ومعاناة أهالي عفرين المُهجرين القاطنين في مناطق الشهباء وبلدتي نبل والزهراء وبعض قرى جبل ليلون، وما هو عددهم الإجمالي، وكم منهم يعيشون في المخيمات الخمسة المشيدة هناك، كيف يواجهون صعوبات الحياة؟
– عندما أشعل بوعزيزي نار ثورة الربيع العربي في تونس، لم يكن يدرك بأن جسده سيتحول إلى نبراس يهتدي به المقهورون في العالم العربي، فانطلقت التظاهرات في تونس وليبيا ومصر واليمن، حتى وصلت شرارتها إلى سورية في الخامس عشر من آذار 2011، عندما انطلق عدد من الفتية في درعا يقلدون(ببراءة) ما تصدح به حناجر الشعب في تلك البلدان، الأمر الذي أرعب بعض الأجهزة الأمنية في سورية، التي تعاملت مع أولئك الفتية بمنتهى القسوة، ليستفيد منها الذين كانوا ينتظرون الفرصة لتحقيق مصالحهم، فحوّلوها من مجرد تظاهرات بريئة إلى ثورة مسلحة، وبدأت كل دولة تمد جماعةً ما بالأسلحة، لتنوب عنها، فتتحول سورية إلى ساحة لتصفية الحسابات.
وكانت تركيا من أوائل الدول التي أرادت تحقيق حلمها القديم بمد حدودها، حسب ما جاء في الميثاق المللي الذي خطَّه مصطفى كمال وصادق عليه البرلمان التركي عام 1920، وفي بند منه يقول بأن الحدود الجنوبية لتركيا تمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى كركوك مرواً بحلب والرقة والموصل.
قامت تركيا بخداع المجموعات المسلحة السنية المتشددة المرتبطة بها، على أنها تدعم الشعب للتخلص من حكم الرئيس بشار الأسد، وبدأت بسرقة المعامل والمصانع، ولم يسلم من شرها قوت السوريين، حيث سرقت القمح والقطن وكل ما وقع بين أيديها، وسهلت الطريق للأغنياء لتحويل أموالهم إلى البنوك التركية التي كانت في طريقها إلى الإفلاس.
باختصار استطاعت تركيا تحت ستار الدين والادعاء بأنها تساعد السوريين في قلب نظام الحكم في سورية أن تستفيد من المعمعة، باحتلال الشمال السوري من نهر الفرات غرباً حتى جبال الساحل السوري. وعندما استعصت عليها عفرين بدأت بتجميع عناصر تنظيم داعش المتقهقر في الموصل والرقة وأعادت تدريبهم وتسليحهم وأبقت على رأس كل مجموعة مسلحة أحد القادة الدواعش ووجهتهم باتجاه عفرين، واستخدمت تركيا كل قواتها الجوية والبرية ضد المدافعين عن عفرين، وأمام التخاذل وصمت العالم احتلت عفرين بعد أن دمرت الحجر والشجر والبشر؛ ولإنقاذ السكان والحفاظ على مدينة عفرين من الدمار، وجّهت الادارة الذاتية الأهالي بالانسحاب الى مناطق الشهباء.
في الشهباء ذاق العفرينيون الأمرَّين، فالمنطقة التي وصلها المهجرون كانت سابقاً ساحة حرب بين مختلف القوات (قوات النظام مع المعارضة المتشددة، وبين هذه المعارضة وتنظيم داعش، وأخيراً بين تنظيم داعش من جهة، والقوات الكردية من جهة أخرى)، حتى استطاعت القوات الكردية والفصائل الأخرى التي تحولت فيما بعد إلى قوات سورية الديمقراطية من السيطرة على معظم مناطق مقاطعة الشهباء، فكانت بيوت وقرى الشهباء غير صالحة للسكن أساساً، وأقامت الادارة الذاتية على عجل مخيم المقاومة « برخدان- Berxwedan» في الرابع والعشرين من آذار 2018، اتبعته بإقامة ثلاثة مخيمات «سردم- Serdem» و «عفرين-Efrin» و «العودة- VEGER»، إلى جانب مخيم «الشهباء» السابق المُشيد قبل الحرب قرب قرية كشتعار. أما باقي المهجرين فكانوا يرفعون ويزيلون مخلفات الحرب من أتربة وحجارة وينظفون مساحات تسع لنومهم، وكانوا ينامون في بداية الأمر على الأرض ويلتحفون بالسماء لأنهم خرجوا من عفرين بالثياب التي كانوا يلبسونها فقط.
ونظراً لوجود ألغامٍ أرضية من مخلفات الجماعات المسلحة، فَقَدَ العشرات من الأطفال والنساء لحياتهم جراء انفجار بعضها.
وكان عدد المهجرين في بداية النزوح في الشهباء حوالي مائتي ألف مواطن، ووصل أكثر من سبعين ألف إلى بلدتي نبل والزهراء وحوالي ثلاثين ألفاً إلى شيراوا.
ونتيجة للوضع المزري وعدم توفر الاحتياجات الضرورية، واصل العديد من المهجرين سيرهم إلى حلب والجزيرة، وعاد قسم منهم إلى عفرين.
بشكل عام يعيش الآن في الشهباء قرابة خمسة وثمانين ألف مهجر، وبضعة آلاف لازالوا في نبل والزهراء وشيراوا؛ ويعيش منهم في المخيمات قرابة عشرة آلاف مهجر، مع ملاحظة أن الأعداد غير ثابتة لأن الانتقال إلى حلب وشرق الفرات عب وطرق التهريب وكذلك النزوح من عفرين باتجاه الشهباء مستمر نتيجة الضغوط التي يتعرض لها العفرينيون على يد المرتزقة المدعومين من قبل جيش الاحتلال التركي الذي يعمل بكل ما لديه من حقد لتغيير ديموغرافية المنطقة، فيستقدم التركمان والغرباء من كل مكان ويطرد أصحاب البيوت ويسكن اولئك الغرباء مكانهم بهدف إفراغ عفرين من الكُـرد.
س2- معروفٌ أن تلك المناطق تقع تحت سيطرة الجيش السوري، وضمن النفوذ الروسي، كيف تُدار ومن قبل من؟
– صحيحٌ أن عفرين ظاهرياً تحكمها عصابات المرتزقة، ولكن المتحكم بعفرين فعلياً ومن وراء الستار هو جيش الاحتلال التركي، الذي أفلت العقال للمرتزقة بالنهب والسلب والخطف بهدف الحصول على الفدية، أي ليعمل المرتزقة ما يحلوا لهم دون حساب، بشرط أن ينفذوا ما تأمرهم به تركيا، لكي تتنصل من تبعات تلك الانتهاكات أمام الرأي العالمي، لتنسبها إلى المرتزقة.
وأمام كل تلك التجاوزات والتغيير الديموغرافي الجاري في المنطقة تقف روسيا موقف المتفرج، لا بل موقف المؤيد والداعم للمحتلين.
س3- بين الفينة والأخرى قوات الاحتلال التركي ومرتزقتها تقصف قرى صاغونك وآقوبية والزيارة وما حولها في جبل ليلون- شيروا، وأيضاً بلدة تل رفعت، إذ سقط ضحايا قتلى وجرحى بين المدنيين، كيف تُقيمون تلك الاعتداءات؟
– بعد أكثر من سنة ونصف على تشبث المهجرون في أماكنهم التي هُجِّروا إليها، ورفضوا مغادرتها (يبدو أن من ضمن الصفقة- العار- بين روسيا وتركيا، تعهدت روسيا بأن يتابع العفرينيون المهجرون بعد خروجهم من عفرين، سيرهم بعيداً عن عفرين)، ولكن تشبث المهجرون في الشهباء وشيراوا أفشل تلك الصفقة، فكان لابد من اللجوء إلى القوة، حيث تواصل تركيا أمام أعين الروس بقصف شيراوا وبلدة تل رفعت بشكل يومي لإرهاب وتخويف المهجرين، عسى أن يتركوا هذه المنطقة، لتكمل تركيا بناء الجدار الذي سيقتطع عفرين من سورية، فتضمها تركيا إلى أراضيها حسب اتفاقها مع روسيا. ولكن لا يزال المهجرون صامدون أمام همجية جيش الاحتلال وداعميه.
س4- برأيكم، لماذا الجهات الثلاث (تركيا، روسيا، سوريا) لا تفتح ممراً إنسانياً آمناً بين منطقة عفرين ومناطق الشهباء ومدينة حلب أمام حرية تنقل الأفراد، ويبقى مُهجرو عفرين محاصرين من الجهات الأربعة، وكأنهم في سجن كبير، وحتى الذين في المنطقة يعانون من تقييد الحركة أيضاً… رغم مخالفة هذا الأمر لمضمون قرار مجلس الأمن /2254/؟
– كما ذكرت أعلاه بأن الاتفاق بين تركيا وروسيا يقضي بأن يبتعد المهجرون عن عفرين، لكي ينسونها إلى الأبد، وأن المهجرين افشلوا ذلك الاتفاق، فلجأت الدولتان إلى كافة وسائل الضغط دون جدوى، وأشركا معهما النظام ليقوم بالمشاركة بالضغط على المهجرين، من خلال منع وعرقلة وصول المواد الغذائية والإغاثية من حلب إلى مناطق الشهباء، ومنع أي عفريني من دخول حلب، إلا ما ندر، حتى بات المهجرون الآن وكأنهم في سجن كبير.
س5- ما هو واقع الخدمات، كهرباء ومياه الشرب، الصحة والمواد التموينية؛ هل تُقدم مؤسسات الدولة أية خدمات، وهل من مساعداتٍ إنسانية، وماذا عن برامج الأمم المتحدة الإغاثية؟
– كل الخدمات من ماء وكهرباء وصحة والمواد التأمينية تقدمها الإدارة الذاتية، مع ملاحظة أن هناك منظمات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تقدم بعض الخدمات، وهي لا ترقى إلى مستوى العمل الإنساني أو المهمة الإنسانية المنوطة بها.
الخدمات الطبية: تم تأسيس شبه مشفى في فافين وبجهود ذاتية، وأربعة مستوصفات (لا ترقى إلى المستوى المطلوب، رغم الجهود المبذولة)، يُقدم فيها العلاج المجاني من معاينات وأدوية وتحاليل وصور أشعة وعمليات، لكافة المتواجدين في الشهباء.
المياه: يتم تأمين النسبة الأكبر من مياه الشرب للجميع عن طريق صهاريج خاصة، لعدم توفر الصهاريج لدى المجالس والبلديات، وبسعر رمزي /50/ ليرة سورية للبرميل الواحد، وتتكفل الإدارة الذاتية بباقي التكاليف. ويُساهم اليونيسيف عن طريق الهلال الأحمر السوري بتزويد بعض تجمعات المهجرين بمياه الشرب من حلب بواسطة الصهاريج.
الكهرباء: تم تركيب مجموعات توليد طاقة في كافة التجمعات السكانية من قبل البلديات التابعة للإدارة الذاتية، وتم تزويد كل منزل بتيار /1/ أمبير واحد مجاناً، أما الأمبير الثاني بسعر /850/ ليرة سورية.
س6- كم مدرسة هناك، وما هو عدد الطلاب، ومن أين الكادر التدريسي، كيف تُدار، وهل من مدارس لمحو الأمية وتعليم اللغة الكردية، وما هي طبيعة المناهج الدراسية، وهل من تنسيق مع مديرية التربية بحلب بهذا الخصوص؟
واقع التعليم، يسير بشكل جيد في كل التجمعات من الابتدائي والإعدادي والثانوي؛ حيث افتتحت الإدارة الذاتية في كل تجمع مدرسة بإمكانياتها الذاتية الشحيحة أصلاً، من مناهج وكتب وقرطاسية وكادر تدريسي، ويتم التركيز على تعليم اللغة الكردية لكافة فئات الشعب؛ ويتم إرسال الطلبة الذين كانوا يدرسون في جامعة عفرين إلى جامعة روج آفا في قامشلو لمتابعة دراستهم، وهناك نسبة من الطلاب الناجحين في الشهادة الثانوية من مهجري عفرين في مناطق الشهباء التحقت بجامعة روج آفا أيضاً.
توجد أربعة مدارس ثانوية، وتتكفل هيئة التربية بأجور نقل الطلاب من القرى والتجمعات إلى المدارس
أما التنسيق بين الإدارة الذاتية ومديرية التربية بحلب فهو بالحد الأدنى، لأن النظام يسعى (إن سنحت له الفرصة) للقضاء على جهد الإدارة الذاتية لتسع سنوات وإغلاق المدارس الكردية وفرض اللغة العربية بدلاً عن اللغة الكردية.
س7- في مجالي الرياضة والموسيقى وكذلك الرسم وباقي الفنون إن وجدت، هل من أنشطة ودعم؟
– طبيعة الإنسان الكردي أنه فنان وموسيقي بالفطرة، لذا تراه يمارس الرياضة من تلقاء نفسه ويشجع أولاده بممارستها، وقس على ذلك الموسيقا، فالطبيعة الجبلية التي تربى فيها الكردي جعلت منه فناناً، وتواصل هيئة الثقافة والفن عملها في افتتاح دورات على الغناء والعزف والرقص على مدار العام، بالاعتماد على المتطوعين من المهجرين فقط.
س8- في هكذا أوضاع مأساوية، الأطفال عادةً أكثرهم تأثراً، كيف تخففون كإدارة من معاناتهم؟
– وأضافت الإدارة الذاتية إلى هذه الأجواء، إقامة حدائق وساحات يمارس فيها الأطفال هواياتهم، فتراهم منهمكين في نشاطات تنسيهم أو تخفف عنهم معاناتهم.
س9- وأيضاً المرأة تحمل أعباءً إضافية، كيف تتدبر أمورها، وهل من مساعدات لها؟
– بالنسبة للمرأة فالإدارة الذاتية أعطت المرأة ما لم تعطيها إياها أي دولة في منطقتنا، فهي تشارك الرجل في كل مفاصل الادارة الذاتية، وكل إدارة ( كبيرة كانت أم صغيرة) يترأسها رجل وامرأة بشكلٍ مشتركة.
س10- فرص العمل، جوانب الإنتاج، هل من مداخيل وواردات من اية أعمال اقتصادية تسد جزءاً من حاجيات الناس، أم أنهم فقط يعتمدون على المساعدات؟
– تقوم الإدارة الذاتية رويداً رويداً بإقامة ورشات مختلفة لتشغيل أكبر قدر من المهجرين لتأمين متطلباتهم الشخصية.
س11- هل من تغطية إعلامية كافية واهتمام من منظمات حقوقية وإنسانية معتبرة بأوضاع مُهجري عفرين في تلك المناطق؟
– لم نلاحظ أن قامت جهة إعلامية عالمية بإيلاء أية أهمية لما يعانيه المهجرون، وكأنّ هناك جهات تمنعهم من القيام بذلك. ولذلك فنحن مضطرون لأن نعتمد على إعلامنا وعلى بعض الإعلاميين الذين يزوروننا أحياناً.
س12- ما هي مطالبهم، وقد خرجت عدة تظاهرات أمام مركزٍ للراعي الروسي- إن صح التعبير-؟
– في بداية النزوح كانت مطالب المهجرين كثيرة تتضمن حاجتهم إلى المواد الغذائية واللباس والأدوية وما إلى ذلك. أما الآن فهم يطلبون من المنظمات والدول ذات الشأن والمجتمع الدولي أن يعملوا على إخراج المحتل التركي من عفرين ليعودوا إليها.
س13- كلمة أخيرة تودون إيصالها إلى القراء الأفاضل؟
– نناشد كل عفريني أينما كان أن يعمل على إيصال معاناة العفرينيين إلى الدول التي يقيمون فيها ويتقربون من شعوب تلك الدول للضغط على حكوماتهم من أجل القيام بواجباتهم الإنسانية والأخلاقية، للوقوف في وجه المحتل التركي لوقف الانتهاكات التي يقوم بها جيش الاحتلال ومرتزقته، من خطف وقتل وسلب ونهب العفرينيين، ووقف التغيير الديموغرافي الذي تقوم به تركيا في عفرين.
أما بالنسبة لنا نحن المهجرون، أقول للأخوة القراء ولكل عفريني أينما كان: أمامنا طريقين لا ثالث لهما، إما عودة كريمة إلى عفرين مرفوعي الرأس، وإما الموت هنا في الشهباء.
مع تحياتي للعاملين في جريدتكم لإتاحة هذه الفرصة لي، لإيصال صوت مهجري عفرين في مناطق الشهباء إلى العالم.