القسم العاممختارات

بين الآمنة والآمن خوفٌ وترقب

د.بنكين حمزة*

يتهيأ للناظر أنهما صحفيّان, يقرأ أحدهما من هاتفه الجوّال عباراتٍ تستهزأ بالمنطقة الآمنة وهما يسيران في القرى المجاورة لحدود تركيا, لاحت عجوز تجلس في فيء حائط منزلها الطيني وهي تغزل صوفها أمام ناظريهما، يبادرها أحدهما متسائلاً: هل أنتِ مع المنطقة الآمنة يا جدّة؟ ذاك السؤال قد سمّر مغزلها وخلّف استهجاناً على محيّاها الجميل, هل أنت كردية يا جدّة؟ بادرها صديقه الآخر بهذا السؤال العفويّ, رفعت صوتها بقوة: أجل كردية أنا يا ولدي, ضحك السائل لم يصيبنا الطرش بعد يا جدّة، فلم هذا الصوت الجهوريّ؟ سردت بحزنٍ، لقد أنقذتنا أميّ من مجزرة ارتكبها الجيش التركي بقريتنا الوادعة تلك ـ حيث كانت القرية تلوح لهما خلف الجدار العازل القائم حديثاً ـ أنا وابن عمٍ لي، لنتزوج فيما بعد وأنجبنا ثلاثة عشر ولداً، وكانت أمي تهمس بخوف لا نكاد نسمعها نحن كُـرد لا تنسوا هذا, لذا الآن أرفع صوتي؛ ضحك أحدهما قائلاً: لن تستطيع تركيا إبادتنا أو اقتلاع لساننا من جذوره, ها قد أنجبت الجدة وحدها فريق كرة قدم مع احتياطيين اثنين, ولن تفلح تركيا بسياستها الرعناء هذه؛ علّق بما شئت لقد درس جميع أولادي وتخرجوا من شتى الاختصاصات الجامعية، تركيا تكذب فيما تدّعي بخصوص المنطقة الآمنة أو الممر الآمن، فنحن نعيش بأمان نسبي أكثر من جميع مناطق وطننا الحبيب، ولم يجبرني أحد من الخروج من منزلي هذا, فلنا شرطة سير ومخافر شرطة تسهر على أماننا، ومقاتلون أشداء يفدوننا بأرواحهم، وقد سطّروا أروع ملاحم البطولة بالقضاء على أعتى قوة ظلامية وإرهابية ممثلة بتنظيم الدولة (داعش) من بداية الكارثة التي حلّت بوطننا، إلى الآن لم نطلق على تركيا حتى وردة فما بالك برصاصة؟ تركيا تخشى الآن من هذه العجوز التي قد لا تعجبك يا ولدي قالتها وهي تبتسم, إنّها تريد الكردي الجيد, هل تعرف الجيد من الكُـرد بنظرها؟ الجيد منا بنظر تركيا هو الميت يا ولدي، سواءً كان فوق الثرى أو تحته, وهل هناك من يمشي فوق وهو ميت يا جدة؟ يقاطعها بسؤال وهو مستهجن من حديثها, أجل القابع في أحضانها والمصفق لسياساتها، ولن تهدأ تركيا إلا بقتله أيضاً، وتاريخها يشهد بذلك, تركيا التي قتلت زوجي قنصاً وكأنك تصطاد عصفوراً لتأكله وهو يرعى أغنامه على بعد أكثر من ميل عن جدارها العازل الباعث على أمانها كما تدّعي, تركيا التي تُدمّر المقابر هناك في عفرين بأيادي فصائل مسلحة قذرة أعماها الحقد والمال، فهي لا تريد حتى شواهد كردية تدّل على موتانا, تريد أيضاً إخراجنا من منازلنا هنا لتغيير تركيبتنا السكانية والهوية الكردية لهذه البقعة الجغرافية الصغيرة, على تركيا حلّ قضية شعبٍ يربو على العشرين مليوناً من البشر في داخلها لتسمو وتحقق معادلة الصفر من المشاكل, وعليها كما على إيران وسوريا الاعتراف بكردهم وحقوقهم المشروعة كشعبٍ أصيل ليعمّ السلام في شرقنا هذا.

* جريدة الوحـدة – العدد 311 – آب 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى