«التطرف والإرهاب تهديدٌ للبشرية، وخطرٌ على الإنسانية وقيم الحضارة العصرية، وقد مثله تنظيم داعش بأقسى وأفظع أشكاله، فكانت ذروة الكفاح ضده ودحره في مناطق شرق الفرات السورية على أيدي مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، وقد انعقد للتباحث حوله منتدى مستفيضاً بالنقاشات والآراء، وللمزيد من التوضيحات أجرينا هذا الحوار مع الباحث الدكتور آزاد أحمد علي».
– كنتم من المشاركين في «المنتدى الدولي حول داعش» المنعقد في 6-8 تموز بمدينة عامودا، ما مدى أهمية المنتدى وتقييمكم له من حيث المكان والتوقيت، التنظيم والتغطية الإعلامية، الحضور ومداخلات المشاركين، النتائج والتوصيات؛ وهل أوصل المنتدى رسالته المرجوة؟
لا شك أن انعقاد المنتدى في مناطق الإدارة الذاتية وفي عامودا تحديداً أعطى للحدث بعداً رمزياً، فالمناطق والمجتمع الذي قاوم التطرف وهزم الإرهاب الداعشي، هو نفسه من نظم هذا الملتقى العالمي ذات المستوى البحثي الأكاديمي الفعّال. لذلك يمكن القول بأن الفعالية كانت ناجحة وإيجابية تماماً. فضلاً عن أن التغطية كانت جيدة ولو بغياب الإعلام العربي والعالمي إلى حدٍ كبير. الحضور كان مميزاً والمداخلات مركزة على الموضوع، مع استطرادات تتكرر في الكثير من المؤتمرات المشابهة. وحيث شارك عدد كبير من المشاركين المختصين من الأجانب والعرب والكورد. هذا وعملت اللجنة التنظيمية بطاقة مضاعفة وتمكنت من تنظيم منتدى عالمي يضم مئات المشاركين بمستوى عال من التنظيم، فبهذا الصدد جهود مركز روجآفا للدراسات الاستراتيجية مشكورة. في المحصلة فقد كانت التوصيات والنتائج بمستوى عال من المسؤولية والدقة. باختصار المنتدى قام بأداء وظيفته. والرسالة – الهدف من انعقاده تحقق تماماً.
– أوصى المنتدى بـ «إنشاء محكمة ذات طابع دولي في شمال وشرق سوريا لمقاضاة الآلاف من أفراد تنظيم داعش المعتقلين وعوائلهم الموجودة في مخيمات تابعة للإدارة الذاتية»… ما مدى أهمية وإمكانية تأسيس هكذا محكمة؟
من المهم جداً أن يتم محاكمة ومعاقبة المجرمين، وبأفضل الطرق وأكثرها اختصاراً. وسواءً تم تأسيس محكمة ذات طابع دولي أم لا، فيجب أن يتم محاكمة الإرهابيين من قبل السلطات المحلية، ولا يمنع التعاون بهذا الخصوص مع منظمات وحكومات على المستوى الدولي وكذلك القضاء السوري والعراقي. المهم أن يتم محاكمتهم ومعاقبتهم بأشد العقوبات.
– أليس هناك فرصة لظهور داعش من جديد وربما بمسمى جديد، في وقتٍ يُسيطر فيه توأمه جبهة النصرة وفصائل إسلامية راديكالية أخرى على مساحاتٍ شاسعة في سوريا وهي تحظى بالدعم والتغطية من بعض الجهات، وفي ظل استفحال الأزمة السورية واحتدام صراعاتٍ إقليمية ودولية؟
نعم إمكانية عودة منظمات رديفة أو تخرج من عباءة داعش واردة تماماً، والأرضية مهيأة لذلك في العديد من بقاع العالم الإسلامي وسوريا تحديداً. والتطرف لم ينتهي وهذه المنظمات الإرهابية لم تهزم حتى يتم الحديث عن عودة جديدة، فهي قائمة وبجوارنا كما تفضلتم.
– برأيكم، ما هي الخطوات العملية الملحة الآن في سيرورة مكافحة داعش، وما هي أدوات معالجة ظاهرة التطرف والإرهاب بشكل عام؟
إن المعركة ضد التنظيمات الإرهابية ستستمر، وداعش هزم كجسد عسكري وإداري وتنظيمي قائم على الأرض، لكنه باقٍ، سواءً كفكر أو كتنظيم سري. لذلك المعركة ضد التنظيمات الإرهابية ما زالت في منتصف الطريق. وأفضل طريق لمكافحة الارهاب الداعشي ومشتقاته هو بناء جبهة ديمقراطية عريضة تضم كل القوى والفعاليات والشخصيات في شرق سورية (كمرحلة أولى) تعمل على كافة المستويات وخاصة السياسية والإيديولوجية والفكرية لمكافحة فكر داعش، والعمل على بناء إدارة ديمقراطية – علمانية شعبية حقيقية على الأرض تقوم بخدمة المجتمع وتقدم له كل ما هو ضروري لتوفير حياة كريمة، وتحصنه ضد كل أشكال وإغراءات التطرف.
أما بالنسبة لاستراتيجية مكافحة التطرف وخاصة التطرف المنبثق من الفكر والنص الديني فيحتاج إلى برامج طويلة الأمد، لا يمكن لها أن تنجح إلا بمساعدة دولية لوجستية سخية.
فمن الملاحظ أن عنف داعش لم يولد فجأةً، وإنما ورثت داعش في البدء ما يمكن تسميته بالشرعنة الفقهية للقتل على أساس الهويات، بدءاً من «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، وعلى اعتبار أن القادة أجازوا القتل على أساس تصنيف واسع، سواءً من حيث الهوية أو الموقف السياسي أيضاً، كالموقف المؤيد للديمقراطية وقبول النظم البرلمانية، المشاركة في العلمية السياسية والانتخابات، فإن المقاتلين وصغار القادة قد وسعوا حتى من تلك الدائرة «المشرعنة» الواسعة أصلاً لتطال هوامش بعيدة أيضاً، إلى أن تم القتل علناً بحسب الهوية المجردة عن أية فعالية مخالفة لمعتقدات داعش، كالانتماء الطائفي المتوارث فقط، فضلاً عن القتل المزاجي والخاضع لمعادلات المصالح المادية. أخيراً يجب أن نعلم جميعاً أن تنظيم داعش هو نتاج تفاعل عوامل مركبة في سياقات زمنية متعاقبة ومتباينة، وهي حصيلة سيرورة سياسية فكرية وتنظيمية طوال أكثر من مئة عام. جميع العوامل والمحفزات التي أنتج داعش ما زالت متوافرة ولم تغب عن ساحات العالم الإسلامي. لذلك لا يمكن الرهان على النهاية العسكرية لداعش وبالتالي للتطرف الديني وخصوصاً الإسلامي، فإمكانية عودة التنظيمات الجهادية واردة وإن اختلفت جزئياً في آليات عودتها. وقابلية المجتمعات والدول العربية والإسلامية القائمة حالياً على إعادة إنتاج نسخ جديدة من داعش ما زالت ممكنة. فتكرار عودة التطرف الإسلامي بأقصى درجات العنف وإن بصيغ وآليات جديدة واردة تماماً. لذلك ينبغي التفكير في معالجة التطرف بأدوات فوق عسكرية من فكرية وثقافية، اقتصادية وتربوية.