أصل الميران
تعددت الآراء والروايات حول الجذور التاريخية لعشيرة ميران الكوردية، كمعظم العشائر والقبائل في المنطقة، حيث تمت الإشارة إليهم في أهم كتب التاريخ الكوردي الحديث، عندما ذكرهم المؤرخ شرفخان البدليسي في كتابه (شرفنامه) قبل نحو 423 عام وتحديداً في سنة 1596م، إذ قال: إن عشيرة ميران هي إحدى التشكيلات السكانية لقلعة فنك المعروفة في منطقة بوطان، مع كل من عشائر بجنوي وشقاقي وكوي (بشنوي – شكاكي – كويي)، وذكر المستشرق هلموت كريستوف إن أكـراد طـوروس الجـنـوبي (الرحل) الذين يرتادون بادية سوريا وما بين النهرين في الشتاء، هـم النموذج الأصيل للأكراد، وجميع الفروع الأخرى مشتقة عنه. وأضاف الأستاذ علي سيدو الكوراني في كتابه القاموس الكردي الحديث: ميران عشيرة كردية في قضاء راوندوز وناحية شقلاوة، وقسم منهم يقيم في منطقة البهدينان، وهـي عشيرة كردية كبيرة رحالة، تقيم في الجزيرة السوريـة. ورجح عدد من مؤرخي التاريخ الكوردي الحديث أن عشيرة ميران هي امتداد للكورد المهرانيين ومن أبرز هؤلاء المؤرخ د زرار توفيق الأستاذ في جامعة دهوك والأستاذ كاوا عبد العزيز صاحب رسالة الماجستير عن الكورد المهرانيين، قبيل سنوات قليلة في الجامعة المذكورة. وفي ضوء ما تقدم بالإمكان الاستنتاج أن عشيرة ميران كانت موجودة ومعروفة قبيل التاريخ أعلاه بقرون، حيث أن أماكن ميران الحالية قريبة من أماكن الكورد المهرانية المعروفة، إلى جانب قضية لغوية مهمة وهي أن حرف الهاء تتبدل في اللغة الكوردية إلى الياء بسهولة، إذ أن اسم ميفان يتحول إلى مهفان دون أن يفقد معناه الحقيقي، إلى جانب أمور أخرى كثيرة[1]، وأشار الأستاذ صـديق الدملوجي في كتابه (اليزيدية) والدكتـور قسطنطين زريق في كتاب (اليزيدية قديماً وحديثاً) بأن المـيران مـن العشـائر التي كانت تعمـل عـلى ترويج الديانة الإيزيدية، وينسـبان عشيرة ميران إلى القبائل الإيزيدية[2].
مهما كانت الروايات فعشيرة ميران اليوم يشكلون وحدة بشرية، يتحدثون كغيرهم من العشائر البوطانية لغة صافية نقية لم تتعرض للمفردات الدخيلة إلا نادراً، وتـعتـبر لغتهـم مـن أعرق وأصفى اللـهجـات الكـرديـة المـحكية؛ ويـؤكد ذلك العـلامـة الأســتاذ (علي سيـدو الكـوراني) في قامـوسـه (القـامـوس الكـردي العـربي)، إذ يقـول: «إن لهجة عشـائر بوطـان بالنسبة للأكراد كلهجة قريش بالنسبة للعرب، وميران من القبائل الأساسـية في منطقـة بوطـان»[3]
رحلة الشتاء والصيف
إن اعتماد الـميـران عـلى تربية المـواشي واعتبارها تؤمـن لهم ما يحتاجون إليه مـن أسبـاب المعيشـة، جعلهـم يـرتبطـون بمواشيهم ارتباطاً روحيـاً؛ فظـروف الـعمـل والحياة أجبرتهم على التنقل مـع مـواشـيهم في المنطقـة المـمتدة بين مـصايف سرهدا شمالاً وجبال سنجار جنـوباً، وفـق وفـرة الـمراعي ونمـو النباتات الرعوية.
وكـانت عملية الانتقال تتم وفق مسارات مـرسومة منذ مئات السنين؛ وجميع المراعي موزعة بالتسـاوي على أفخاذ وبطون القبيلة؛ حيث لا يجوز لأحد أن يتجاوز حدود غيره، أو أن يـرعى بمواشيه في غير الأماكن والمراعي المخصصة له.
حـدثني والدي عن جده بأن خلافاً وقع بين فرعي «سينكا» و «وارسري» وهما من الميران عـلى إحدى المراعي في منطقة تقع جنوب غرب رميلي وكولا شيخ تمو شمال تل حداد تحديداً، وكاد أن يـؤدي إلى خلاف وقتال عـنيف، ولكن الاحتكام إلى رئيس القبيـلة الـذي كـان يمثـل السلطة القضائية في ذلك الوقت حال دون إراقة دماء، وتـم حل الخلاف سـلمياً وأعطيت الأحـقية للفرع الـذي كان يتـردد عـلى ذلك المـوقـع في السنوات السـابقـة.
وقـد فرضت الطبيعة الجغرافية المحيطة على الـميران القيام بـرحلتين مـع مواشيهم: رحلة صيفية وأخرى شتوية؛ فالـرحلـة الصيفيـة تبـدأ باتجاه الشـمال حـيث كانـوا يقصدون ذوبان الثلوج والنباتات الربيعية والمـراعي الخصبة، وكانت تتم على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى
تـبدأ مـن بداية شهـر أيـار (Gulan) من أطـراف جبل سنجـار والسهـول الـمجاورة لها مـن الشمال والجـنوب، حيث الوجهـة نحو الشمال؛ ويكون التـنـقـل بالوسائل القديمـة كالبغال والخيول، ولا يتم ذلك إلا بقرار من رئيس القبيلة، وعندما يصدر القـرار تستعـد جميع العوائل وتجهز أمتعتها من لحظات الفجر الأولى؛ وتسبق الماشية العوائل في الرحيل مسافة ليلة كاملة ويـبدأ الـرحيل بإيقاع موسيقي متـناسق مـن أصوات الأطـفـال وصهـيـل الخـيـول؛ والابـتـسـامـة تعلو جميع الوجوه فتبدو كسمفونية رائعة. ويـكون الاستقرار الأول في عـدة مـواقع على خط عرض واحد، قـريبة من بعضها البعض وهي: كـركـوز (Girkoz)- رميلي (Rimêlȇ)- كـولا شـيخ تـمـو (Gola şexTemo) – وارى رشـكا (Warê reşiga) – كـركـوزل ( Gir Gozel) – كرفيده (Gir feyde) – بوزو (Bozo) – كـرتـولـك (Gir tolig) –تـل عـلي قـاسما ( Girê Elî Qasima) – كر مرجان (Gir mercan) – كر تمتول (Gir temtûl).
ويستقرون في هـذه المـواقع مدة شهر واحد؛ وبعـد أن تـرعى الماشيـة في هذه المناطق والمـواقع وتقـل المراعي الخضراء يتجهون نحو الشمال ثانية قاصدين النباتات والمراعي الخضراء.
المرحلـة الثانيـة
وتبدأ هـذه المرحلة في منطقـة واسـعة ممتدة من أطراف (قره جوخ) شمالاً حتى جنوبي (سي كرا Sê gira) في مواقع: بيرا إبراهيم آغا (Bîra Brahîm axa)- بيرا روفي (Bîra rûvî) – خاترجان (Xatir can) – سي كرا (Sê gira) – سويدية (Sewêdî) – قل ديمان (Quldîman) – كرزيرو (Gir zîro)– طاوس (Tawis)- كركي حي ول (Girgê Hêwil) – شكرخاج (Şekir xaç)، والبعض يتجاوز حتى الأطراف الجنوبية لنهـر دجلـة ويستقرون خمسـة عشـر يـومـاً، ثـم يسـتعدون لعبور نهر دجـلـة؛ ولا يـتم العبـور إلا وفـق طقـوس وأنظمـة محددة، حيث تنقسـم القبيـلة إلى ثلاثة أقسـام ويبدأ العبور بشكل منظم على الجسـر الخشبي الوحيد الذي أنشأه أمـراء الجزيرة للاستفادة مـن رسـم العبور. يـبدأ القـسم الأول بالعبور وهو مؤلف مـن القيادة (بـركلاي وتوابعهم)، ثم فرعي (سينكا وعليوكا)، وأخيراً (واره سري وبرزي وإيسكا)؛ وأثناء العبور يكون المنظر رائعاً، حيث ترى صفحة دجـلة متألقة تحت الشمس وعشرات الدواب المحملة تعبره والصخب يتعالى؛ وبعد العبور مباشرة تُنصب الخيام في شمـال نهـر دجلـة، في الجهـة الجنوبية لجبال الجـودي، في منطقة قريبة من جـزيرة بوطـان تسـمى (كيـرة Kêre)، ويسـتريحون في هـذه المنطقـة في عـدة مواقـع تسـمى (نقبا Neqeba)؛ وفي هـذه الفترة يحضـرون أنفسهـم للمرحـلة الـثالثـة، حيـث يشـترون حـاجـياتهم ولوازمهم مـن أسواق جـزيرة بوطـان، ويبقون أحمالهم الثقيلة عند بعض معارفهم في الجزيرة أو لدى بعض ساكني التجمعات الريفية في أطراف الجزيرة وبعضهم يبقونها في جـوار بعض المـزارات الدينـية والقبـور فتـبقى سليمة حـتى عودتهم من مصايف الـزوزان دون أن يتعرض لها أحد؛ وذلك لاعـتقاد الناس البسـطاء بالـقدرة الخارقة للمـزارات الدينيـة، حيث يعتقـدون أن مـن يحـاول التقـرب من المزار بقصد الإساءة سيتعرض للموت المفاجئ ويعاقب يوم القيامة.
وفي منتصف شهر حـزيران تبدأ المـرحـلة الـثالـثة…
المرحلـة الثالثـة
حيث تتوجه قـوافل القبيلـة نحـو وادي (سي كيلا) وتتجمع جميـع العـوائل والأسـر في عـدة مـواقـع على طرفي: وادي سـي كـيلا (Sê kêla) – وادي كرميانس (Çemê Germyansê) – كاني فرشك (Kanî Firşk)- آف شيلو (Av şêlo) – ميركا فقه (Mêrga Feqe) – كاني كل (Kanî kil) – ربني شل (Repnê şil)- كوفت (Kovit) – أورس (Oris)- آري(Ari).
أما قطعـان الغنم والماشيـة فتستمر بالمسـير باتجـاه مصايف (سـرهـدا وبحـيرة وان)، المـصـايـف العـليـا (Zozanê Jorî)، قـاصديـن الهـواء العـليل وذوبـان الـثلـوج والنباتات الخضراء؛ فـيقوم الرجـال بحـراسة قطعـان الغـنم ومرافقتها؛ فكل عائلـة ترعى مواشيها في الأمـاكن المـخصصة لها مـنذ القدم وتسمى (كوز)، وفي هـذه المـراعي تكـون جميع القطعان قريبة من بعضها البعض لدرء الأخطار وخوفاً من سطو القبائل واللصوص؛ وفي هـذه المـرحلـة ينقسم الرجال إلى ثلاثة أقسام:
1- قسم يبقى مع العوائل في منطقة سي كيلا (Sê Kêla).
2- قسم يتولى حراسة قطعان الغنم في المراعي.
3- القسم الآخر وهم الرعاة يتنقلون بالمواشي في المراعي ويتدبرون أمـور الحملان والخرفان الصغيرة.
ويرافق الرعاة بعض النساء اللواتي يقمن باستثمار منتجات الماشية من الحليب وتحويلها إلى سمن وجبن، ويقمن بنسج الصوف وحياكته، ويبقين مع الرعاة في بيوت شـعر خفيفـة وصـغيرة أو بيـوت صيفيـة مـصنوعـة مـن القـصب والبـردي تـسمـى (كـول Kol)، وفي أواخـر الخريـف تبـدأ (الرحلة) العكسية من الشمال بـاتجاه الجنوب، إذ يعـود الرجـال مع القطعان إلى مضاربهم وعائلاتهـم في أطـراف سـي كيلا، حـاملين معهـم مـا أنتجته مـواشيـهم كالصوف والسمنة والجـبن؛ وعنـد الـوصـول تبـدأ مـراســـم الاحتفـال بعـودة الرعـاة والمـواشي بـإقـامـة حـفـلات الموسـيقى المـؤلفة مـن الطبـل والـمزمار، فـتعقد حـلقات الدبكة وتتـزين الفتيات، وكذلك يتـزين الشباب لاختيار شريكة الحياة، وتقام الولائم وتذبح الذبائح، حتى تبدأ الرحلة العكسية باتجاه ديريك وسهول سنجار بعد عبور نهر دجلة.
وفيما يلي أسماء المراعي الصيفية والشـتوية للميران خلال رحلة الصـيف والشـتاء:
المراعـي الصـيفية للميران | |||
باني عويني | Banê Ewênê | آري | Arî |
باني خاني | Banê Xanê | كاني فرشك | Kanî firşk |
كاني قير | Kanî Qîr | بستا هنجه | Besta Hincê |
داري غزالا | Darê xezala | جمي كاريى | Çemê kariyê |
كاني رش | Kanî reş | كيل جوك | Kêl çûk |
كوفت | Kovit | جلوك | Çilûk |
أورس | Oris | هسانا | Hesana |
داره سين | Dare Sîn | ميركا هلاوست | Mêrga Helawist |
كافاش | Kavaş | ربني شِل | Repnê şil |
آف شيلو | Av şêlo | ميركا فقه | Mêrga Feqe |
خوريزا سور | Xûrîza sor | جمي كرميانسي | Çemê Kermiyansê |
بستا به لكا | Besta belega | جمي سي كيلا | Çemê sêkêla |
دشتا قسر وكي | Deşta Qesrogê | كوريج | Kûrîç |
واري هسد | Warê Hesed | هوسلي | Hosilî |
كاني كِـل | Kanî kil | توكزا | Tokiza |
سرهدا | Serheda | نيسكين | Nîskîn |
المراعـي الشتوية للميران | ||
كركوزل | Gir Gozel | تل ناعور |
كرفيدة | Gir feyde | تل مشحن |
كري علي قاسما | Eli qasima | تل كوجر حاليا |
رميلي | Rimêlȇ | رميلان الباشا |
قبو | Qepo | خدعانية الضفران |
كركي فريز | Girkȇ frȋz | إم حبال |
كرا صور | Gire sor | تل ذهب |
كربالات | Gir balat | تل الهوى |
كركوز | Gir koz | الكوز حالياً |
كر هوك | Gir hok | تل عرب |
كرتولك | Gir tolig | خراب الجير |
كرى فاتى | Girê fate | الوادي |
بيرا سيفو | Bîra sêvo | الخدعانية |
خابورا | Xabûra | مسعودي كبير |
كربيج | Keroîç | الصديدية |
سويدي | Sewêdî | السويدية فوقاني |
كرى جيتكى | Gir tolig | تل خنزير |
شكر خاج | Şekir xaç | شرم الشيخ |
تبكى | Tepkê | الطبقة |
طوراميش | Toramişa | طراميش |
جمي صفين | Çemê sefên | وادي السفان |
قره جوخ | Qereçox | كراتشوك |
زخاة | Zixat | الينبوع |
تقل بقل | Teqil beqil | كنانه |
حموكر | Hemo ker | الحرية |
كرتمتول | Gir temtûl | العليانية |
بيرا روفي | Bîra rûvî | طرابلة |
واري رشكا | Warȇ Reșika | تل غزال المدلول |
بيرا برهيم آغا | Bîra Berhîm axa | الصهريج |
خاتر جان | Xatir can | سبع جفار |
طاوس | Tawis | الوليد |
كركي حي ول | Girgê Hêwil | الكوفة |
عمر طويل | Emer tewîl | عمر طويل |
كرى سليمان ساري | Girê Silêman Sarî | سليمان ساري |
كركي خجو | Girkȇ xeco | السويد (خربة بنيان) |
قيرويا | Qîroya | قيرو |
خابورى زيرى | Xabûrê jêr | مسعودي رفيع |
واري ضيف | Warȇ zȇf | الصبيحية |
سي كرا | Sê gira | سبع جفار |
قل ديمان | Quldîman | النجف |
كر خردل | Gir xerdel | تل خردل |
ملا مرز | Mela merz | ملا مرسي |
وادي كرزيارات | Çemê girziyaret | تل زيارات |
وادي دمر قابو | Çemê dimir Qapo | باب الحديد |
وادي كرى ديرا | Çemê girê dêra | تل مذري |
جم جيلك | Çem çêlek | المرج الاخضر |
جمي روباريا | Çemê rûbary | الرحيبة |
نوالا عموقون | Newala emo Qon | عرعور |
كر كمبر | Gir kember | الجحيشية |
ملاحظة: أسـماء المواقع والأماكن السابقة مدوّنة بلهجة الـميران؛ أي كما كانـوا يتداولونها أثناء تنقلهم في رحـلة الصـيف والشتاء (من وإلى الـزوزان)؛ ولا زالت بعض هذه الأسماء متداولة حتى الآن.
هذه الخريطة للكاتب إسماعيل بيشكجي يوضح فيها مسار حركة العشائر الكوردية (الكوجر) من وإلى مصايف الزوزان، مأخوذة من أرشيف الدكتور علي ميراني.
مراجع البحث:
1 – مخطوطة بعنوان عشيرة ميران ودورهم السياسي والاجتماعي للدكتور علي ميراني أستاذ التاريخ الحديث في جامعة زاخو.
2- القاموس الكردي الحديث، علي سيدو كوراني.
3 – معلومات ميدانية قام بها كاتب الدراسة (لقاءات مع بعض المعاصرين لحياة البداوة).
4 – كتاب اليزيدية، صديق دملوجي.
5 – كتاب اليزيدية قديماً وحديثاً، الدكتور قسطنطين زريق.
6- المعلومات المتعلقة بأسماء المراعي معظمها مأخوذة من السيد محمد رشيد من قرية سيكرا.
—————–
[1] للمزيد من التفاصيل ينظر الدكتور علي ميراني (عشيرة ميران دورها الاجتماعي والسياسي) مخطوطة بحوزة المؤلف الصفحة 34 و 45.
[2] كتاب الميران في إمارة بوطان – عيسى إبراهيم قاسم – دار الينابيع دمشق.
[3] كتاب القاموس الكوردي العربي الحديث، علي سيدو كوراني.
* مجلة الحوار- العدد /73/- السنة 26- 2019م.