القسم العاممختارات

حوارات وطنية جادة ومسؤولة… الكُـرد ليسوا انفصاليين ولا خونة!!!

الافتتاحية*

طال أمدّ خلافات السوريين وأزمتهم، بل تعمقت الشروخ والجروح، ولا زال الدم نازفاً والدمار متواصلاً، فالشأن السوري بات مرهوناً لإرادات ومصالح قوى دولية وإلى حدٍ ما إقليمية أيضاً، ضَعُف معه القرار الوطني السوري لدى عموم الأطراف، في وقتٍ تصَحَّر فيه على الساحة السورية العمل السياسي وتدنت الفعاليات المجتمعية المدنية، بينما أمراء الحروب وتجارها يعيثون في الأرض فساداً، وأكثرهم خطورةً هم أولئك الإرهابيون التكفيريون الذين يصولون ويجولون في مناطق إدلب وإعزاز والباب وجرابلس والذين يمارسون الإجرام في عفرين بالشمال السوري تحت الرعاية التركية وتنظيم الإخوان المسلمين والائتلاف السوري المعارض، مما يستدعي مكافحتهم وإنهاء وجودهم وفق خطة مدروسة ومتفق عليها بين القوى الدولية الفاعلة، تُجنب المدنيين ما أمكن المخاطر والانتهاكات، بالترافق مع إنهاء الاحتلال التركي لتلك المناطق، بما يخدم سبل إيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية المستفحلة.

وإذا كانت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» قد قطعت بمساعدة التحالف الدولي شوطاً بعيداً في مكافحة الإرهاب وأسقطت دولة الخلافة الإسلامية المزعومة (داعش)، فإن مواجهة خلاياها النائمة وأنصارها المحليين من المهام الصعبة والدقيقة، حيث أن الانتصار العسكري لا يترسخ ولا يفضي إلى نتائج مرجوة ما لم تتم إعادة تأهيل المجتمعات المحلية على أسس ديمقراطية جديدة ولم تُفتح آفاق العمل السياسي أمام الجميع، إلى جانب إعادة الإعمار وتسهيل عودة المُهَجَرين، وذلك لقطع الطريق أمام محاولات إفشال «قسد» وتأليب الرأي العام ضدها، والتي تعمل عليها جهات لا تريد لـ «قسد» أي دور في مستقبل سوريا وأوساط شوفينية (تركية وعربية) لا تروق لها دور الكُـرد المحوري المتنامي، وهي ترمي عليهم تهم (الانفصال والخيانة والتعاون مع أعداء الوطن)! إذ هناك حساسية مفرطة وريبة غير مبررة لدى الوسط العربي السوري – زرعه البعث منذ عقود – نحو مطالب الكُـرد في سوريا وتوجهاتهم الديمقراطية، رغم أنهم تبنوا ومارسوا النضال السياسي السلمي منذ تأسيس حركتهم عام 1957م وإلى الآن في الدفاع عن قضاياهم العادلة، وانخرطوا في الحركة الاحتجاجية السلمية دون الإنزلاق إلى رفع السلاح ضد الدولة ومؤسساتها، ولم يكونوا سبباً في استجلاب قوى أجنبية إلى أرض الوطن، بل دافعوا عن مناطقهم وساهموا في دحرّ الإرهاب باقتدار، وجُلًّ مطالبهم وطروحاتهم السياسية تندرج في إطار التأكيد على وحـدة سوريا وسيادتها، معتمدين لغة الحوار وأسس العيش المشترك بين أبناء البلد.

فلايمكن الحديث عن انتهاء الأزمة وبناء سورية جديدة، ما لم يتم الاعتراف بالكُـرد كثاني أكبر قومية في البلاد وإقرار حقوقهم المشروعة دستورياً، ليس على حساب الآخرين، في دولةٍ برلمانية تعددية لامركزية التي يتوجب وضع أسسها العلمية المناسبة بعيداً عن (التوجس الكردي) أو ربط صيغتها بلواحق (إدارية، سياسية) تشوه المعنى والبنيان.

قانون حتمي تاريخي، لابد للأزمات الكبرى أن تنتهي، فلابد للشعب السوري بجميع مكوناته أن يلملم جراحه ويُحيد من يواصل تعميق أزمته ويعيق حلّها، وأن يقبض على زمام المبادرة ويفتح الأبواب أمام الحلول السياسية بحوارات وطنية جادة ومسؤولة، ولكن يبقى للطبقة السياسية الوطنية دورها الهام في تسريع الخطى واختصار المسافات وحقن الدماء ووضع حدٍ للدمار، من منطلق أخلاقي وإنساني بالدرجة الأولى.

* جريدة الوحـدة – العدد 308 – أيار 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى