القسم العاممختارات

حي الشيخ مقصود في حلب نموذج للعيش المشترك… طموح في العودة إلى ترسيخ أجواء السلم والتطور المجتمعي

إعداد: روني شاكر*

 

رغم الانتعاش الذي يسوده منذ الصيف الماضي، حي الشيخ مقصود (جبل السيدة- Çiyayê Seydê)- مدينة حلب، الذي يقع على قمة أعطتها أهمية استراتيجية ويحيط به حواجز أمنية من جانبي الدولة والإدارة المحلية بمسافات بينية قريبة، يبقى موضع اهتمام فائق والزائر إليه يتحسر ويحزن على التغيرات التي طرأت على بنيته الاجتماعية كخزان للموارد البشرية والأيدي العاملة، بسبب هجرة القسم الأكبر من سكانه منذ سبع سنوات مضت، وكذلك الخراب والخسائر التي أصابت المال والعمران والبنى التحتية فيه، بفعل الأعمال العدائية التي لحقتها في سياق الأزمة السورية المستفحلة.

عشرات أعوامٍ، شهد فيها هذا الحي ذي الأغلبية الكردية فعاليات اجتماعية وسياسية ومناسبات كثيرة، خاصةً في أشهر آذار واحتفالات عيد نـوروز الجماهيرية، مما بلوَر للكُـرد في حلب دوراً ملحوظاً إلى جانب حضورهم الاقتصادي.

ولكن المآسي التي وقعت، قّلصت أعداد سكانه إلى ما دون /20/ ألف نسمة، ووقعت فيه أحداث دامية بسبب حصاره والهجوم عليه من قبل جماعات جهادية مسلحة، من محيطه الشرقي والشمالي والغربي، والتي أدت إلى سقوط ضحايا شهداء وجرحى بالعشرات.

للوقوف على الوضع الحالي للحي ومعرفة المزيد من الوقائع، التقت «جريدة الوحـدة» بدران حمو رئيس لجنة العلاقات في حلب– مجلس سوريا الديمقراطية، في مكتبه وسط الشيخ مقصود، والذي رحَّب باللقاء، وقال: «الشيخ مقصود من أحياء حلب الرئيسية وله تأثير من الناحية التنظيمية والاجتماعية، يعيش فيه مكونات عديدة، عرب وكُـرد، سريان ومسيحيين وإيزديين، كما كان منذ تأسيسه… ويعتبر من الأحياء الفقيرة، يسعى فيه الناس لتدبير أمورهم الحياتية، إذ كان للأزمة السورية تأثير كبير عليه، حيث نزحت منه نسبة كبيرة، ولكن لجأ إليه ألاف في مرحلة لاحقة من داخل حلب وخارجه».

وحول طبيعة الحياة في الحي، أضاف حمو: «كان للحي دور هام، على أساس تعايش مشترك وتعاضد بين الناس عموماً في أحلك الظروف، لم تكن بينهم صراعات سيئة ولا مشاكل مستعصية، فأصبح الحي مثالاً، واستطاع أن يحمي نفسه ويتطور، ولم يكن خارج الأزمة، بل قام بدوره المطلوب؛ حيث قمنا بتنظيم المؤسسات، خدمية وصحية، تعليمية واقتصادية، حماية وأمن وإدارة؛ إذ قامت بدورها، فالبلدية استطاعت تنفيذ ما أمكن من الخدمات للمجتمع، رغم أن الحي كان ضمن ما يشبه جزيرة، يحيط بها المسلحون الإرهابيون… قدّمنا ما أمكن بإدارة ذاتية». وأردف قائلاً: « السكان حالياً حوالي 22 ألف عائلة، عدده يقارب /80/ ألف نسمة، لا تأتينا مساعدات إنسانية، سوى من الإدارة الذاتية ومن الهلال الأحمر السوري، وقد استقبلنا إخوتنا النازحين من عفرين، وساعدناهم قدر الإمكان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنساني حالياً لا يشمل الحي».

في المجال الصحي أجاب حمو: «قمنا بإنشاء مستوصف بخبرات محلية وبإمكانات متواضعة، في وقتٍ معظم الأطباء والكوادر الطبية فيه قد رحلوا، وتطور هذا المستوصف ليكون بمثابة مشفى باسم الشهيد خالد فجر، وهو يقدم خدماته الطبية الآن بأجور رمزية وأحياناً مجاناً، والأدوية المتوفرة تعطى مجاناً، وذلك في مبنى مدرسة ياسين ياسين السابقة».

أما في مجال التربية والتعليم أوضح حمو: «لم نتخلى عن هذا المجال وأوليناه اهتمامنا منذ البدايات، وكانت بعض المجموعات المسلحة أيضاً متواجدة في الحي، وبالتنسيق معها ومع مؤسسات الدولة، ظلت مفتوحة رغم كل الصعاب؛ وحالياً أكثر من /7/ ألاف طالب يرتادون خمس مدارس في الشيخ مقصود ومدرسة واحدة في آخر حي الأشرفية، بينها مدرسة إعدادية وأخرى ثانوية، يتم في جميعها تدريس منهاج الدولة واللغة الكردية بواقع (3 حصص في الأسبوع) لجميع الطلاب، وبإدارة مشتركة؛ وهناك رياض أطفال /2/ ومدرسة خاصة باللغة الكردية؛ قسم من الكوادر من موظفي الدولة والآخرين تدفع لهم إدارتنا رواتبهم…بينما كانت المدارس مغلقة في أغلب الأحياء، إذ أبعدناها عن الأجندات السياسية، ولايزال التنسيق قائم مع الدولة في هذا المجال».

وعن الخدمات المتوفرة قال حمو: «مياه الشرب تُقدم مجاناً عبر الشبكة، ونظام الكهرباء أمبيرات – مجموعات التوليد- حوالي /7/ ساعات مساءً بسعر مدعوم من الإدارة ولكنه غال نسبياً بسبب غلاء مادة المازوت في حلب، لا توجد تغذية من الدولة، وحسب أقوال شركة الكهرباء بحلب تم إعداد الدراسات والموافقة عليها رسمياً، وهي بحاجة لرصد ميزانية مالية من أجل البدء بإصلاح الشبكات وتغذيتها، أما الهاتف الأرضي يعمل في بعض الأماكن فقط… ويجري ترحيل القمامة بشكل مستمر وبانتظام، برسم /100/ ليرة سورية عن المنزل الواحد و /200/ ليرة عن المحل، حيث بلدية الشعب في الحي تدفع رواتب الموظفين والعمال ومستلزمات الآليات، ولكن بلدية مدينة حلب لا تنفذ وعودها، ولا ترسل سيارات جمع القمامة إلا قليلاً؛ ولا توجد باصات النقل الداخلي، بل هناك سرافيس خاصة».

وفي مجال التموين أوضح حمو: «هناك رقابة على الأسعار وعلى البضائع والمواد الغذائية المعروضة للبيع بحيث تكون سليمة وصحية للاستهلاك البشري، وتوجد خمسة أفران لصناعة الخبز، حيث تُقدم الدولة كمية من الطحين وتُستكمل بشراء الإدارة للطحين من السوق لكي تكفي جميع السكان، وطبعاً يتم بيع الخبز بالسعر الرسمي المدعوم، وتوزع /3/ ألاف ربطة خبز مجاناً على الفقراء يومياً من مساعدات الهلال الأحمر السوري».

وفي مجال الإدارة قال حمو: «هناك لجنة العقود تشرف على تأمين السكن للمحتاجين والتثبت من ملكية العقارات وإشغالها، وكذلك توثيق العقود وتنظيم وثائق الإقامات… ويتم ترخيص الصيدليات والعيادات الطبية حسب الأصول… وفي البداية شكلنا لجنة صلح من الوجهاء، وأسسنا فيما بعد ديوان العدالة من حقوقيين مختصين من الكرد والعرب، الذي يبت في العديد من القضايا والمشاكل، باستقلالية… وهناك أيضاً /30/ كوميناً (لجنة محلية) وشرطة مرور لتنظيم السير، وحواجز للأسايش في مداخل الحي وضمنه».

وحيال الاعتداءات التي تعرض لها الحي أوضح حمو: «كانت هناك هجمات كثيرة على الحي من قبل الإرهابيين، لأجل الاستيلاء عليه، ولكن بمشاركة الأهالي تم تأسيس حماية ذاتية، من وحدات حماية الشعب والمرأة YPG , YPJ وقوات الأسايش، فمقاومة شيخ مقصود حمت قلعة ومركز مدينة حلب، وعلى أساس ثقافة أخوة الشعوب، ثقافة العيش المشترك، استطاعت قوات الأسايش أن تعزز من قواها وتعمل على حماية واستتباب الأمن الداخلي ومكافحة الجريمة التي بقيت في أدنى مستوياتها، لم نشهد حوادث قتل لأسباب اجتماعية… اذ تأسس ما يشبه عقد اجتماعي بين الناس، والذي أزال التفرقة والتمييز بينهم؛ هناك أمان واستقرار جيد، ولكن هناك من يريد زرع الفتنة بين المواطنين».

وهل هناك مخاوف من هجمات جديدة للإرهابيين (جبهة النصرة) من جهة حريتان وكاستيلو على الحي؟ أجاب حمو: «الوضع في الحي مرتبط بالوضع السوري عموماً، الذي لا يزال قاتماً غير واضح وبأي اتجاه يسير… والمسلحون حول حلب مرتبطون بتركيا التي تُعادينا وتُطلق تهديداتها نحو منبج وشرق الفرات، ولأن أوراق تركيا باتت محروقة، فلا تقبل تبلور قضيتنا وتقدمها… هناك مخاوف واحتمالات، من الممكن أن تقع هجمات على الحي، خاصةً إذا تأزم الوضع في محافظة إدلب، فالمسافة بيننا قريبة ويقارب /3/ كم، كفرحمرة وبليرمون…  قواتنا مستعدة للدفاع والحماية، فهي عززت من قدراتها، وهناك تحضيرات لصد تلك الهجمات… نعمل بإصرار على الدفاع عن أنفسنا، لم نعتدي على أحد، فقط نطالب بحقوقنا في وطن مشترك لنا جميعاً».

وأضاف حمو: «بعد كارثة عفرين ازداد عدد السكان في الحي؛ يوماً بعد يوم هناك تحسن وتطور في جميع المجالات، ليس هناك اكتفاء ذاتي، ولكن الناس يعملون بجد من أجل تدبير مقومات الحياة… وبشكل أساس نعتمد على أنفسنا، ومن طبيعة الحي الاجتماعية استنبطنا أسس إدارتها وبشكل مشترك، إذ تقوم بعض مؤسسات الدولة بتقديم خدمات معينة بالتنسيق مع الادارة هنا… وهناك طموحات أكثر، نتوقف حيال النواقص، الوضع يتبدل وأحياناً لا يكون حسب رغباتنا؛ لكننا نسير حسب طاقاتنا وإمكاناتنا، باتجاه التقدم… نحن في الحي مع حل الأزمة السورية ومستعدين للمشاركة فيه وإنجاحه، بشرط حماية ثقافة ولغة وهوية شعبنا… ستبقى حلب مفتاح الحل، ومن خلالها سندخل في سوريا جديدة حرّة ديمقراطية، لأنها مدينة تاريخية وغنية ومهمة بالنسبة لنا، ونعتقد أننا وبإصرار سنتمكن من تثبيت الهوية الكردية».

إضافةً إلى مؤسسات الإدارة الذاتية (بلدية الشعب، ديوان العدالة، وحـدات حماية الشعب والمرأة، الأسايش، الحماية الجوهرية، مشفى الشهيد خالد فجر) هناك مؤسسات المجتمع المدني وأحزاب تمارس أنشطتها في الحي(مجلس سوريا الديمقراطية، حركة المجتمع الديمقراطي Tev-Dem، حزب سوريا المستقبل، حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، التحالف الوطني الديمقراطي السوري، مؤسسة عوائل الشهداء، مؤتمر ستار، الشبيبة الديمقراطية، البيت الإيزدي، مؤسسة المنتجين، ملتقى الأديان، مركز الاقتصاد الاجتماعي، مؤسسة الثقافة واللغة، مؤسسة الإغاثة، حركة التعليم، أكاديمية المجتمع الديمقراطي، الإعلام).

ختم حمو حديثه إلينا قائلاً: «بعد توقف الأعمال العدائية عاد حي الشيخ مقصود إلى نشاطه الاجتماعي والتجاري والصناعي، وهو متقدم بالنسبة لعشرات من أحياء أخرى، أسواق شعبية تتوسع، وهناك أكثر من /450/ ورشة خياطة وغيرها، حيث تم تأسيس مجلس المنتجين».

ينتاب ساكني الحي شعور الحنين إلى السلم والأجواء الاجتماعية البهية، متمنين طي صفحة العنف والاقتتال، طامحين إلى الاستقرار وتطور مجتمعي متصاعد.

* جريدة الوحـدة – العدد 306 – آذار 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى