القسم العاممختارات

التدخل العسكري التركي في منطقة عفرين السورية احتلال دامغ…

المحامي علي حبو*

إذا كانت الأطراف السياسية الكردية في سوريا تختلف في تسمية التدخل العسكري التركي إلى منطقة عفرين، وإذا كان البعض يحاول تجميل صورته بشكل أو بآخر، بما يتناسب مع اجنداتهم، إلا أن القانون الدولي يدحض كل تلك التبريرات، ويوضح بأنه احتلال دامغ، بعيداً عن التأويل والتفسير، حيث:

نصت المادة /42/ من لائحة لاهاي لعام 1907 على ما يلي (تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها).

وتنص المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على أن هذه الاتفاقيات تسري على أي أرض يتم احتلالها أثناء عمليات عدائية دولية. كما تسري أيضاً في الحالات التي لا يواجه فيها احتلال أرض دولة ما أي مقاومة مسلحة.

يُنظم شرعية أي احتلال معين ميثاق الأمم المتحدة والقانون المعروف باسم قانون مسوغات الحرب، فحين ترتقى حالة في الواقع إلى مستوى الاحتلال، يصبح قانون الاحتلال واجب التطبيق سواء اعتبر الاحتلال شرعياً أم لا.

ولا فرق في هذا المجال، إن حظي الاحتلال بموافقة مجلس الأمن وما هو هدفه أو هل سمي في الواقع «اجتياحاً» أو «تحريراً»، أو «إدارة» أو «احتلالا». ولما كان قانون الاحتلال مدفوعاً في الأساس باعتبارات إنسانية، فإن الحقائق على الأرض وحدها هي التي تحدد طريقة تطبيقه.

نتيجة احتلال تركيا لمنطقة عفرين السورية، فإن الواقع الانساني يزداد سوءاً، يتفاقمٍ  يوماً بعد يوم, ويكاد لا يمضي يومٌ أو تمضي ساعة أو لحظة إلا ويكون أهالي عفرين أمام انتهاك أو جريمةٍ جديدة يرتكبها جيش الاحتلال والفصائل الجهادية المسلحة التابعة له. فما ترتكبه الفصائل المرتزقة  المسلّحة في عفرين تحت إشراف دولة الاحتلال التركيّة وبتوجيه منها ودعم مباشرٍ وغير محدودٍ لها من قبلها، من أعمال قتلٍ وسلبٍ ونهبٍ وسرقة واختطافات قسرية واعتداءاتٍ جسدية وتعذيب وتهجيرٍ قسري للسكان المدنيين واستيلاء على دورهم وممتلكاتهم وتوطين الغير فيها، ترقى في الكثير منها لمستوى جرائم حرب وإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، بمعايير ومضامين مواد القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقيات جنيف الأربعة (1949) وبروتوكوليها الملحقين (1977)، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، واتفاقيتي لاهاي (1899-1907)، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وغيرها من العهود والمواثيق وإعلانات الحقوق العالمية التي تسعى لصون قدسيّة الإنسان و كرامته.

بالإضافة إلى ذلك، هناك  سعيٍ ممنهجٍ ومنظّمٍ وخطير من قبل تركيا والفصائل المسلحة الموالية لها، إلى تدمير كلّي أو جزئي لمكوّن أو جماعة على أساس قومي، ألا وهو المكون الكردي، وبشتى السبل والوسائل، بهدف تغيير الخصوصية القومية لمنطقة عفرين (كرداغ)، التي تعتبر جزءاً من كردستان التاريخية، حيث أن هذه الجريمة تعتبر تطهيراً عرقياً حسب التعاريف المعتمدة  في القانون الدولي العام:

– مخطط للتخلص المتعمد من سكان إقليم معين، لأشخاص من مجموعة عرقية معينة، وذلك باستخدام القوة أو التخويف.

– يعرف انه أي التطهير العرقي: (هو إجبار الناس على المغادرة بوسائل تستخدم لتحقيق هذه الغاية النهائية  والتي تتفاوت بين القانونية وشبه القانونية).

– قد يعرف التطهير العرقي على أنه: (سلسلة من الإجراءات القانونية أو الغير قانونية، الهدف منها إفراغ إقليم معين من فئة معينة لصالح إقليم آخر وفئة أخرى).

هذه أهم التعريفات الدولية للمصطلح.

ما تقوم به مجموعات المرتزقة بدعم ومساندة الحكومة التركية، من القتل الفردي  والاغتيالات المنظمة والتعذيب، سواء كان بفعل السلطة أو بإغفال منها أو خارج إطار القانون والاعتقال التعسفي والاحتجاز خارج نطاق القضاء، والاغتصاب و حصار السكان المدنيين والتهجير والترحيل والابعاد والطرد للسكان المدنيين بشكل قسري أو خلق ظروف توفر هذه الغاية، والهجمات العسكرية المتعمدة أو التهديدات بشن هجمات على المدنيين و المناطق المدنية، والتدمير المتعمد للممتلكات، تُعدّ جرائم التطهير العرقي، وفق تقرير مجلس الأمن  الذي  تناول فيه الأزمة اليوغسلافية عام 1992. وتم تحديد ثلاثة عناصر لضبط المفهوم، وهي: الهوية الإثنية للمجموعة المستهدفة، والترحيل القسري، وضم الأراضي التاريخية. وهناك عمل منظم لإحداث تغيير ديموغرافي واسع النطاق عبر استقطاب وجلب عوائل عربية إلى عفرين من مناطق سورية أخرى وتوطينهم ضمن مساكن وممتلكات العفرينيين، بعد طردهم منها وإغلاق المنافذ والمعابر والحواجز أمام من نزحوا جرّاء الأعمال القتالية، ومنعهم من العودة إلى قراهم و بلداتهم. أضف إلى ذلك عمليات الاختطاف القسري لمئاتٍ من المدنيين واقتيادهم إلى جهات مجهولة، دون أن يعلم أهاليهم عن مصيرهم شيئاً، حيث أن التهجير القسري يعتبر من وسائل وطرق التغيير الديموغرافي، كما يعرّفه القانون الدولي الإنساني: (الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها)، وهذه  الممارسات  مرتبطة بالتطهير وإجراءات تقوم بها حكومات أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة، وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة، وتعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، التهجير القسري جريمة حرب، ووفق المادة (49) من اتفاقيات جنيف الأربع، المؤرخة في 12 أغسطس 1949، والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977، جرائم حرب دامغة. وتشكل عمليات التهجير القسري انتهاكًا فاضحاً “لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي أقرتها  عام 1948 أن( كل ما يؤدي إلى  التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بمنزلة إبادة جماعية).

وبالتالي هناك جرائم بموجب اتفاقية منع ومعاقبة الابادة الجماعية (1948) ولا سيما بموجب المادة الثانية منها، وهي قصد تركيا والفصائل إحداث تدمير كلي أو جزئي لجماعة قومية. في ظلّ ما يرتكبه الاحتلال التركي برفقة فصائل مرتزقة إرهابية مسلّحة تابعة لها ولما يسمى بالائتلاف السوري المعارض، من جملة ممارسات وانتهاكات خطيرة ومستمرّة بحقّ السكان الآمنين في تلك المنطقة، والتي ترتقي بدون شك، وسنداً للقوانين الدولية ولا سيما القانون الدولي الإنساني، إلى ما يمكن اعتبارها جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، بموجب هذه الاتفاقية، حيث  تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:

(أ) قتل أعضاء من الجماعة.

)ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.

)ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.

(هـ) نقل أطفال من الجماعة عنوةً إلى جماعة أخرى.

علماً أن كل تلك الجرائم تحدث بشكلٍ واضحٍ و فاضح  أمام أعين ومسمع المجتمع الدولي،  إذ هناك المئات من التقارير والصور والفيديوهات الموثّقة، رغم التعتيم الإعلامي المريب والخطورة الشديدة على القائمين بمهام التوثيق  والتسجيل  والرصد.

فإقدام تركيا الدولة العضو في الأمم المتحدة ومنظمة شمال الأطلسي على انتهاك سيادة دولة مجاورة وعضوة في الأمم المتحدة، من خلال عمل عسكري غير مبرر ضد دولة سوريا المجاورة لها، لا يمكن تسميتها إلا احتلالاً، وذلك وفق القانون الدولي.

احتلال منطقة عفرين السورية ذات الخصوصية والغالبية الكردية تاريخياً، انتهاك صارخ وفاضح لميثاق الأمم المتحدة وميثاق معاهدة تأسيس منظمة شمال الاطلسي وموادها القانونية، لاسيما ما ورد في ديباج مقدمتها بخصوص (رغبة الدول الاعضاء في العيش بسلام والسير على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية والامتثال للقانون ). وكذلك ما ورد في المادة الاولى منها والتي نصت على (منع الدول الاعضاء من استخدام القوة بما يتعارض مع نصوص مبادئ ميثاق الامم المتحدة، بحيث يتم حل أي نزاع بطريقة سلمية دون اللجوء إلى القوة والتهديد).

* جريدة الوحـدة – عدد خاص (عام من العدوان التركي على عفرين)- العدد 304 – كانون الثاني 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى