القسم العاممختارات

تهجير قسري وتغيير ديموغرافي ممنهج في عفرين…

محمد بلو*

في إطار أكبر وأقذر عملية تطهير عرقي تشهدها سوريا طيلة أكثر من ثماني سنوات من الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد، أقدم تحالف من الفاشية القومية والاسلامية التركية المتمثل في حزب الحركة القومية MHP وحزب العدالة والتنمية AKP  بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 20/1/2018، على شن حرب وجودية ضد الشعب الكردي في دولة مجاورة «سوريا»، استهدف خلالها استئصال الوجود التاريخي للكُـرد في منطقة عفرين، والقضاء على أول تجربة لهم في حكم ذاتي، أثبت حسن إدارته للمنطقة، رغم الكثير من المنغصات والتحديات.

واستخدمت تركيا في معركتها مرتزقة سوريين جندتهم لها جماعة الاخوان المسلمين في سوريا تحت مسمى» الجيش الوطني السوري»، وذلك في سياق عملية سميت بـ «غصن الزيتون»، والتي نُفذت تحت يافطة حماية «الأمن القومي التركي» الذي يمرّ عبر إبادة الكُـرد عن بكرة أبيهم، أثبتت على ذلك ممارساتها بعيد إعلان احتلال المنطقة من قبل زعيم الاخوان المسلمين العالمي أردوغان، وبقبول أو تغاض محلي واقليمي ودولي، أسفرت عن تشريد نحو 350 ألف مواطن كردي، دون اهتمامٍ كافٍ من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإنسانية بحالهم.

كان كل شيء معداً ووفق تفاهمات واضحة بين الروس والإيرانيين والأتراك، حيث تلا سقوط عفرين تَقاطُر قوافل محملة بعشرات الآلاف من المُهجرين قسراً إليها، من ريف دمشق وحمص، ومن بعدهما من مناطق المصالحات، وتوجيه تلك القوافل إلى عفرين حصراً دون غيرها، ما يؤكد أن تهجير أهالي عفرين واستجلاب عشرات الآلاف وتوطينهم في عفرين يتم وفق خطة مدروسة.

أما من آثر البقاء على أرضه رغم القتل والاعتقال والخطف والاغتصاب والاهانات والتضييق عبر عمليات منظمة، من سلب ونهب وسرقة وتشليح وتعفيش وتجويل، طالت كل شيء في المنطقة، من أرزاق وممتلكات الأهالي، إلى جانب تدمير بنية المنطقة من آثار ومعالم وهوية، بهدف ضرب الذاكرة التاريخية والمجتمعية للمنطقة وسكانها، وتبديد نسيجهم.

في السياق، وحول كيفية التخلص من السكان الكُـرد المتبقين في المنطقة أو العائدين اليها، طلب المرتزقة السوريين الذين تمكنوا إثر عملية «غصن الزيتون» التركية من احتلال أغلب قرى وبلدات ومدن منطقة عفرين، القيام بتجميع جميع أهالي عفرين الذين بقوا في المنطقة، وحصرهم في بقعة معينة، يتم تحدديها بالتشاور مع المسؤولين الأتراك،  في (معسكر اعتقال جماعي)، ليسهل ضبطهم والسيطرة عليهم، وحسب معلوماتي التي استقيتها من أشخاص على احتكاك مع الميليشيات الإسلامية، فإن هذا الاقتراح جاء بعد عمليات عسكرية نفذتها وحدات حماية الشعب في إطار ما تسميه بـ «المرحلة الثانية من مقاومة العصر» والتي كانت تستهدف مسلحي الميليشيات في مناطق متفرقة من عفرين. إلا أن المخابرات التركية كان رأيها أن يتم طرد كل السكان ولكن ببطء ووفق برنامج محدد، يستند بشكل أساسي إلى «التضييق عليهم عبر الاعتقالات العشوائية وعمليات الخطف، لإفراغ جيوب الأهالي وإفقارهم، وبالتالي دفعهم للفرار خارج المنطقة».

ولهذا السبب، أنشأ الاحتلال التركي مركزاً استخباراتياً وآلية منظمة لكيفية العمل على هذا البرنامج المعدّ من أعلى المستويات في حكومة العدالة والتنمية وحليفتها من عصابات الاخوان المسلمين.

آلية وأساليب طرد السكان تعتمد على توجيهات غرفة عمليات مشكلة من الميت التركي والمرتزقة وبعض العملاء المحليين.

وتستند تلك الآلية على قاعدة بيانات جمعها الميت التركي عن سكان المنطقة طيلة السنوات الماضية، من خلال عملائها، وكذلك عبر جمعيات خيرية تسللت إلى داخل البيوت وجمعت المعلومات الدقيقة عن العائلات، من حيث التوجهات السياسية والوضع المعيشي وغيرها، وكذلك بيانات يتم جمعها عبر الاعتقالات ومنح بطاقات تعريف شخصية.

عملية التغيير الديموغرافي لا زالت مستمرة بوتيرة منظمة، ونجحت لحد كبير في تهجير أكثر من خمسين ألفاً من العائدين للمنطقة بعد الاحتلال، علاوةً على بقاء أكثر من 125 ألف في مناطق النزوح-شمال حلب، جرى تهجيرهم أثناء الحرب، من خلال القصف العشوائي واستهداف القرى والبلدات، وكذلك تدمير البنى التحتية من اتصالات وطرق ومؤسسات المياه والكهرباء ومشافي ومرافق طبية وأبنية سكنية.

أما عن عملية التهجير أثناء الحرب، فجرت بشكل تدريجي، إذ بدأت في استهدف القرى الحدودية التي أصبحت خط مواجهات، لتنتقل إلى المرحلة الثانية، ومن ثم تجميع السكان في المدينة، ودفعهم دفعة واحدة إلى خارج المنطقة، عبر شن غارات جوية وفتح جدار الصوت فوق المدينة من قبل الطيران الحربي التركي في الأيام الأخيرة، ما قبل سقوط المدينة .

وهذا ما ذهب اليه أيضاً المرصد السوري لحقوق الانسان، حيث وقف مطولاً على موضوع التهجير الممنهج الذي طال سكان مدينة عفرين من الكُـرد، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة بنسبة 98%، وذلك بعد مضي نحو 41 اسبوعاً من الاحتلال التركي والميليشيات التابعة له للمنطقة.

وأكد المرصد السوري أيضاً، ما أوردناه في هذا المقال، وذلك  في تقرير له، صدر في الأول من العام الجديد 2019، وأفاد فيه نقلاً عن مصادره « إن فصائل عاملة في عملية “غصن الزيتون” تحدثت بعد السيطرة على عفرين، إلى السلطات التركية مطالبة إياها بطرد سكان مدينة عفرين وريفها بشكل كامل منها، واستباحة أموالهم وممتلكاتهم وأرزاقهم ومزارعهم ومنازلهم ومحتوياتها بشكل كامل، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل السلطات التركية، التي أكدت المصادر أنها أرادت الهدف ذاته، إلا أنها عارضت الطريقة، قائلة للجهات المطالبة بهذا القرار، بأنه سيؤلب المجتمع الدولي عليهم، ويدفع العالم كله للتدخل لصالح سكان المنطقة الكرد، وأصدرت أوامرها بضرورة التريث، وأنه سيأتي يوم ويطلب سكان المنطقة الخروج منها، وسيدفعون الأموال للفصائل بغية الخروج من منازلهم ومزارعهم وتركها، وهذا ما حدث بشكل بطيء، حيث فرت مئات العائلات المتبقية في عفرين، نتيجة لتصاعد الانتهاكات بحقهم من خطف وضرب واعتداء ونهب وسرقة وإتاوات واعتداء على النساء والإناث».

وبالعودة إلى الخلف، ولعل ما ساهم أكثر في التهجير، هو توقيت قرار الانسحاب الذي أعلنته القوات العسكرية المدافعة عن عفرين قبيل يومين من سقوط مدينة عفرين على يد الاحتلال التركي والميليشيات المرافقة له، وكان توقيته، بعد أخطاء وقعت، يوحي بأنه لم يكن قرار مدروساً، وينم عن تخبط مركز القرار العسكري في وحدات حماية الشعب.

وبررت القوات العسكرية قرار الانسحاب بحرصها على عدم تدمير مدينة عفرين، في حين كان القرار المتخذ سابقاً والمعلن هو خوض حرب شوارع وسط مدينة تأوي مئات الآلاف من سكان المدينة والنازحين إليها من الريف، وهذا ما كان يضع المدنيين تحت ضغط كبير وأشبه بقدرٍ توقد تحته النيران.

حينها كان كامل الشريط الحدودي في الأسبوع الأخير واقعاً تحت الاحتلال، إضافةً إلى ستة مراكز نواحي من أصل سبعة عدا موباتا/معبطلي، وكانت الجبهات تشهد انهيارات سريعة وخاصة في الجهة الشرقية، حيث كانت القوات الغازية على مقربة من مركز المدينة بمسافة /3 كم/ فقط.

مع الأسف، لم تستطع القوات المدافعة عن المنطقة ولا القوى السياسية الفاعلة إيجاد مخرجٍ ما مع القوى الدولية، كان سيخفف كثيراً من المخاطر والأضرار على المدنيين.

توقيت الانسحاب المتأخر وشكله لعب دوراً سلبياً في مسألة خروج الأهالي إلى المناطق المجاورة، حيث ساد الفوضى والمآسي والقصص المحزنة بين المدنيين الفارين إلى مصير مجهول، على طريق جبل الأحلام.

لو كان هناك مسعى ما في ترتيب انسحاب مدروس لوحدات حماية الشعب من المنطقة، لما اضطر الألوف من الناس للنزوح، الذين خرجوا من المنطقة وذاقوا مرارة التشرد في نبل والزهراء والشهباء، ومن ثم عادوا وتجرعوا الويلات والمصائب على طرق العودة المؤلمة، وما رافقتها حالات موتٍ جوعاً أو برداً أو بالألغام.

تتواصل عملية التغيير الديمغرافي على سعير نار الانتهاكات بحق من بقي متمسكاً بالأرض والزيتون، فيما لا تزال دروب العودة مغلقةً أمام مهجري المنطقة الذين يعانون مرارة التشرد والمعاناة في مخيمات وبلدات الشهباء وغيرها، أمام صمت المنظمات الانسانية والحقوقية والمجتمع الدولي المتخاذل.

* جريدة الوحـدة – عدد خاص (عام من العدوان التركي على عفرين)- العدد 304 – كانون الثاني 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى