القسم العاممختارات

سوريا بخير… تركيا بخير، ولا بديل عن احترام مبادئ حسن الجوار والقانون الدولي

الافتتاحية*

على امتداد ثمانية أعوام لأزمتها المتفجرة منذ 2011، بقيت سوريا إلى حدٍ مثير تتصدر عناوين كبريات الصحف العالمية، آخذةً حيزاً هاماً من اهتمامات صناع القرار السياسي لدى معظم دول المنطقة والعالم، ناهيك عن مؤسسات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمجلسها الأمني، فكانت ولا تزال التدخلات كثيرة ومتشعبة، من بين أبرزها الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا وروسيا الاتحادية على الصعيد الدولي، وتركيا، دول الخليج وإيران على الصعيد الإقليمي، وكلٌ وفق مصالحه وأجنداته، وإنْ كانت على حساب مصير ومصالح الشعب السوري ودماء وأرواح المدنيين منه وممتلكاتهم.

إلا أن أوسع وأعمق تلك التدخلات في نطاقها الإقليمي المجاور كان ولا يزال متمثلاً بتركيا، لدرجة نجاحها في رفع علمها الرسمي في الكثير من المناطق السورية، مثل جرابلس، الباب، إعزاز وعفرين، وصولاً إلى محافظة إدلب وبعض أرياف جوارها من أطراف محافظات حلب، حماه واللاذقية، واكبه إعلام طائفي تحريضي مقيت، تشاطرت له جماعات الإسلام السياسي التي قادت وتقود مجموعات معارضة مسلحة تحمل أسماء شتى من قبيل (جيش حرّ، وطني…) وإعلان تشكيلات مدنية كـ (حكومة مؤقتة في إعزاز وأخرى إنقاذ في إدلب) وجسم سياسي معوَّم باسم (ائتلاف قوى الثورة…) مؤلف من قوميين عرب وتركمان مشبعين بروح الحقد والكراهية ونفر من الكُـرد، تتصدرهم جماعة الإخوان المسلمين، سبقه إقدام تركيا على فتح مطاراتها وموانئها ومنافذها البرية لعبور الألوف من عناصر وقيادات تنظيمي الدولة «داعش» والقاعدة وفي كثير من الأحيان تدريبهم وتجهيزهم وزجهم في الداخل السوري، مع توفير دعم لوجستي من شحنات أسلحة وتقنيات لصناعة طائرات دون طيار، ومواد إغاثة باسم جمعيات خيرية، كالهلال الأحمر التركي و IHH، كانت حصيلتها ربط محكم لحياة ومستقبل سوريين في الداخل والخارج بمشروع أنقرة التوسعي واستلاب إرادتهم، مما شكلَّ عقبة ميدانية أمام أي مسعى جاد لإيجاد حلّ سلمي وتسوية للأزمة السورية، ودون تحقيق ما كانت تصبو إليه تركيا وأعوانها في الملف السوري من جهةِ تعزيز دور ونفوذ الإسلام السياسي فيه، فباتت في الآونة الأخيرة تنبش في سجل اتفاقاتها الثنائية التي كانت مبرمة مع حكومة دمشق قبل 2011، لتنتقي وتختار من بينها اتفاقية أضنة لعام 1998، حيث كان قد بلغ عديد الاتفاقات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم السورية- التركية قرابة الـ /51/، تطال مختلف جوانب ومجالات العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، خصوصاً مع استلام حزب العدالة والتنمية لزمام الأمور في تركيا، وفترة ازدهار علاقات الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي ومقولة (تصفير المشاكل مع الجوار) التي تم الترويج لها كثيراً، وصَدَقها البعض… وهنا تقتضي لغة المنطق والواقعية بأن تسارع تركيا دون تردد إلى سحب قواتها من الداخل السوري إلى حدودها الدولية مع سوريا ما قبل 2011، كي تأخذ طرحها للعودة إلى اتفاق أضنة المجحف شيئاً من المصداقية وتوفِّرَ تسهيلاً ميدانياً لمهمة المبعوث الأممي الجديد غير بيدرسون، بعيداً عن التذاكي ومناوراتٍ لم تعد خافية على السوريين كرداً وعرباً، ولا على القوى الإقليمية والدولية.

و متى ما كفت تركيا عن نزعة التوسع والتوغل في الداخل السوري وتخلصت من هوس معاداة الكرد، تكون قد أثبتت احترامها لمبادئ حسن الجوار والقانون الدولي، ووفرت عامل خير وسلام لسوريا وتركيا اللتين تبقيان متجاورتين، ولتربطهما علاقات الاحترام وحسن الجوار.

* جريدة الوحـدة – عدد خاص (عام من العدوان التركي على عفرين)- العدد 304 – كانون الثاني 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى