القسم العاممختارات

الانسحاب الأمريكي العسكري من سوريا… مهامٌ منتظرة…

نواف بشار عبد الله*

 

لقد اتخذت الإدارة الأمريكية قرارَها الذي لمْ يحظَ بتأييدٍ من وزير الدفاع وأوساطٍ من الكونغرس بسحب قواتها من سوريا، تبعتْه استقالاتٌ متتالية من وزير الدفاع جيمس ماتيس والمبعوث الأمريكي ماك كورك، وخلقَ حالةً من الإرباك لدى مؤسسات الإدارة وعموم الجهات الدولية والإقليمية ذات الشأن في الوضع السوري. لكن، من المرجّح أنّ القرار لم يكن ارتجالياً وليدَ اللحظة، كما أنها لم تُقْدمْ على مثل هذه الخطوة إلا بعد دراسته وفق ما تقتضيه مصالحُها الاستراتيجية، وإنما بُني على توافقاتٍ وتفاهماتٍ أمريكية –تركية-روسية لم يتم الكشفُ عن تفاصيلها وفحواها بعد.

من المعلوم أن العلاقات الروسية-التركية قد شهدتْ تحسناً ملموساً بعد انجاز المرحلة الأولى من مشروع نقل الغاز الروسي المسال إلى أوربا عبر الأراضي التركية، إثر توتر العلاقات بين روسيا وأوكرانيا مؤخراً والتي كانت ممراً لأنبوب الغاز الروسي إلى أوربا، وبسبب توتر العلاقات التركية الأمريكية على خلفية تحالفها وتعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية في مكافحة داعش، إذْ تستقوي تركيا بدولة روسيا الاتحادية التي تلاقت مصالحهما، لتزدادَ شراسة في تعاملها مع القضية الكردية.

إن الولايات المتحدة الأمريكية -كغيرها من الدول التي تدخلتْ في الشأن الداخلي السوري- لم تتخذْ قرار التدخل في سوريا نزولاً عند مصلحة الشعب السوري بغية انتشاله من وضعه المأساوي جراء الحرب التي تعصف به منذ ثمان سنوات أو لدواعٍ إنسانية أخلاقية، بل أن قراريِّ التدخل والانسحاب اتُخذا بناءاً على مصالحها حصراً.

فلئنْ تضمنتْ وثائق التفاهمات بنوداً تبيح للدولة التركية الاجتياحَ البري لشمال وشرق سوريا وإطلاق يدها للبطش بالكرد وهدم إدارتهم الذاتية المؤقتة- وهذا ما عملت لأجله ولا تزال تعمل الحكومة التركية التي تضحي بالغالي والنفيس للوقوف بوجه الطموح الكردي في المساواة والعيش بحرية وكرامة- فإنّ الانسحابَ العسكري الأمريكي سوف ينعكسُ سلباً على مجمل الوضع السوري العام والكردي منه على وجه الخصوص، وسيساهم في عودة شبح التنظيمات المتطرفة الإرهابية التي تعمل كأدواتٍ طيعة في أيدي من يمولونها من قوى إقليمية ودولية، كما أنه سيفضي إلى تأخير الحلّ السياسي الذي ينشده السوريون تحت مظلة الأمم المتحدة، ويتمُ تعبيد الطريق أمام القوى الإقليمية لمزيدٍ من التدخل في الشأن السوري وزيادتها تعقيداً، لتعبثَ بأمن المنطقة وتلحق أفدحَ الأضرار بالسلم والأمن الإقليمي، وتترك ظلالَها السوداء على السلم والعلاقات الدولية التي تعاني أصلاً من الضعف والهشاشة.

مما لا شك فيه أن الحكومة التركية تجيدُ اللعبَ على الحبال وتلوي عنق الحقائق مستخدمةً براغماتية سياسية إلى جانب توفيرها ورعايتها للمصالح الاقتصادية للدول الكبرى لقاءَ الإبقاء على الشعب الكردي محروماً من حقوقه. كما أنها تنسقُ العملَ من أجل تحقيق ذلك الهدف مع الدول التي تقتسم الشعب الكردي ووطنه (إيران، العراق وسوريا). ومع أن ساسة الدول الكبرى وأجهزتُها الأمنية ومراكز دراساتها الاستراتيجية تعرف بدقة حقيقة النظام التركي وتفاصيل افتراءاته وأضاليله، إلا أنها ولشديد الأسف، تجهد لإرضائه ومسايرته في سياسته المكشوفة والظالمة بحق الشعب الكردي دون إيلاء أيّ اهتمام للقيم الإنسانية ولمواثيق هيئة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان التي تتكفل بصيانة تلك الحقوق.

هناك بعضُ الجهات الحاقدة على الشعب الكردي التي تدور في فلك النظام التركي التي يعزُّ عليها هزيمة الإرهاب، تكيلُ اليومّ  شتى التهم للكرد وتبدي تشفيها منهم وكأنهم هم مّن جلبوا الأمريكان إلى البلاد(!) ملوّحةَ بالانتقام، ومعاقبتهم بسبب تلاقي مصالحهم مع مصالح التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب المتمثل بداعش والزمر المسلحة المرتبطة بشبكة القاعدة ومنظومة الإسلام السياسي العالمي وحركة الإخوان المسلمين التي تسعى لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء من جهة، ووضعتْ نفسَها في خدمة أجنداتٍ دولية مقابل حصولها على المال السياسي. متناسين بأن الكردَ هم اصحابُ قضية عادلة يناضلون من أجل الحصول عليها قبل مجيء الأمريكي وغيره إلى المنطقة، ويعرف القاصي والداني أنهم لم يضعوا أنفسهم يوماً في خدمة جهاتٍ أجنبية خارجية رغم فداحة الجرائم والويلات التي تعرضوا لها على أيدي أنظمة الحكم الإقليمية في ظلّ صمت شعوبها التي تعاني بدورها من القمع والتنكيل السياسي من قبل تلك الأنظمة.

الحربُ على الإرهابِ لم ينتهِ بعدُ، فإنْ أدارَ العالمُ له ظهره، وعوقبَ الكردُ الذين قدموا تضحياتٍ جسام في مكافحته على أيدي حكوماتٍ تتظاهر بالعداء له وتتعاون معه في الخفاء، فإنه سيظهرُ بمسمياتٍ جديدة وربما بصورة أشدّ إجراماً ملحقة الأذى بالجميع.

ولئنْ أجّلت تركيا عمليتها العسكرية بضعة شهور، إلا أن مخاطر الاجتياح لا تزال قائمة، فهي تنتظر الفرصة المناسبة لتنفيذ مآربها. وبعيداً عن الكلمات الجوفاء والشعارات الطنانة، يتطلّبُ كردياً  قبل كل شيء عقد اجتماع بين الأحزاب الكردية في سوريا، ووضع الاختلافات الثانوية جانباً، للبحث معاً عن إيجاد وسيلة لمنع الاجتياح التركي وأعوانه الحاقدين لمناطقنا، عبر تشكيل هيئة ناطقة باسم كرد سوريا تمثلهم وتقوم بإجراء لقاءات دولية وتخاطبَ دول العالم وقواها العظمى وهيئة الأمم المتحدة لبيان الأهداف الحقيقية للتدخل التركي ومخاطره على أمن المنطقة التي تتعايش فيها العديد من المكونات والأقوام في ظل أمان نسبي، والمطالبة بتسريع العملية السياسية على أن يكون للكرد فيه حضور وتمثيل منصفٌ، ويتم حلّ هذه المأساة تحت مظلة الأمم المتحدة حلاً عادلاَ يرضي جميع الأطراف، وحلّ القضية الكردية في سوريا في إطار وحدة البلاد على أسسٍ المساواة والتعايش المشترك بين جميع المكونات، ووضع دستور حضاري لسوريا ينتفي فيه الظلم والتمييز.

* جريدة الوحـدة – العدد 303 – كانون الأول 2018 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى