القسم العاممختارات

الطفل وأمّه وأنشودة السلام…زاوية نقاط على حروف*

جريدة الوحدة*

وكأنّي أراهما ـ الطفل وأمّه ـ لازالا يبكيان في مغارتهما ينشدان لنا شروق شمسٍ تعلن نهاية الظلم والظلام وتنشر السلام والمساواة في أرجاء المعمورة، أنا الذي يُتهم بنو جلدتي بالمجوسية تارةً وبالإلحاد تارةً أخرى ويُهدر دمي باسم الدين، وقد تناسوا أنّ النار من عناصر الحياة وأنّها كانت ولاتزال من أعظم وأهم الاكتشافات البشرية وأنّها قد أصبحت برداً وسلاماً على إبراهام وهو يدعو إلى الوحدانية في ربوعنا، وهي عينها التي استأنسها ابن الماء في جبل طور فخلع نعليه في حضرتها، وتناسوا بأنّنا نحن من تتبّعنا نجمة يسوع مبشّرين بميلاد نبي السلام وحاملين له الهدايا والطعام تلك النجمة التي لاتزال تعتلي شجرة الميلاد، وها قد أثلجت ثماني مرات في وطني وتزينت الشجرة ثماني مرات بالاخضرار والأجراس ولازالت العيون ترنو إلى الربيع وتنشد السلام، لقد اُقتلعت الأشجار وقُصفت لتتحول إلى فحمٍ أسود اللون ليموت الاخضرار، وفي جغرافيتنا هذه لم يغري ـ تجار الحروب والعالم الحر كما يسمون أنفسهم ـ البياض بقدر ما أغراهم اسوداد النفط الذي أسال لعابهم وكانت رائحة الغاز أطيب من رائحة السماق والغار، ولم تعد الأجراس تهدي الخراف الضالة إلى الآب، ولكنها تنذر الآن بالرعب والموت الذي يقترب منّا عند كل تغريدة، في الوقت الذي تُدقّ طبول السلام والفرح في أزقة أوربا، وهنا نسمع صداها الذي ينذر عن قرب حربٍ جديدةٍ، لن نلبس الثياب الحمراء التي تحمل أشرطة بيضاء ولن نتنكّر بلحى بيضاء، فنحن جرح مكلوم ينزف، وقد تلوّنت أجسادنا بالاحمرار ومن لم تبيضّ عينه من البكاء على استشهاد إخوته أو أبنائه أو اختطاف أحدهم، فقد ابيضّ شعره من القهر، وهو يقف في طوابير طويلة ينتظر خبزاً برائحة الذّل والهوان، أنا الذي كانت تشبع على طواحيني حتى طيور البراري ويُعالج بزيت زيتوني المبارك، حيث لا سغوب ولا فاقة على أرضي، فما راق ذلك لهولاكو العصر وسلطان العثمانيين الجدد، فأبى إلا أن يرى دمي مسفوكاً أو أهجر ملاعب الصبا، لا تثريب عليك يا وطني ستبقى سبيكة ً لن تحرقها النيران ولن يؤثر فيها الانصهار، في عيد السلام لك مني السلام، ولله في سماك المجد، وبشعبك المسرة ولأطفالك الفرح والمرح ولشهدائك الخلود.

لتبق شموعك وضاءة ووجهك ضاحكاً يا وطني وكلّ أيامك ميلاد وفرح.

* جريدة الوحـدة – العدد 303 – كانون الأول 2018 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى