مقالتان من صحيفة »كردستان» لصاحبها ورئيس تحريرها الأمير عبد الرحمن بدرخان…
الترجمة عن الكردية: نواف بشّار عبد الله
مجلة الحوار – قراءة في الكتب والمطبوعات – العدد /71 / – السنة 25 -2018
بعد أن حملَ الأمير عبدالرحمن بدرخان شرفَ مسؤوليةَ استمرار إصدار جريدة «كردستان» التي أصدرها أخوه الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة بتاريخ 22 نيسان 1898، وأمْرِ السلطان عبدالحميد بإغلاقها وعدمِ السماح بنشرها وتوزيعها على أرض السلطنة، بدءاً من العدد 6 [الأحد 25 جمادى الأولى 1316هجرية] الموافق لـ [ 10 تشرين الأول 1898 ميلادية]، قام بتوجيه رسائلَ عديدة عبر صحيفته إلى حضرة السلطان يُعْلِمُه فيها تمسُّكَه بحقه في إصدار جريدة باللغة الكردية أسوةَ بالعديد من أقوام وشعوب الدولة العثمانية التي لها جرائدٌ مرخصة، معيداً الطلبَ الذي سبقه إليه أخوه الأمير مقداد بدرخان، ذاك الطلب الذي لم يلقَ الاستجابة، معلناً بأنه سوف يصدرها من خارج حدود السلطنة. كما أكّد الأمير في رسائله للسلطان على أن البطانة الفاسدة التي تحيطُ به في قصره من أمثال المدعو»أبو الهدى» المنتمي إلى القرباط، وهو رجل عديمُ الأصل والعلم والثقافة، حيث يحملُ الحقدَ والكراهيةَ للكردَ عموماً ولعائلة البدرخانيين على وجه الخصوص، هي بطانة لا تصلح للمشورة، ويجبُ استبعادُها من مراكز القرار واستبدالها بأناسٍ شرفاءٍ كفوئين يملكون الثقافة والمعرفة والأخلاق، لأن قراراتهم تقرر مصير عشرات الملايين من مواطني الدولة وتتركُ آثارَها المباشرةِ على حياتهم.
وفي الوقت نفسه، قام الأمير عبر صحيفته بتوجيه الأكراد نحو التزوّد بالعلوم والمعارف للخلاص من الجهل والتخلف الذي يُعَدُّ من أهم أسباب المآسي التي يعانيها الكرد في وطنهم، معطياً أولوية العمل في خدمة مصلحة الدولة وعدم التفريق بين الكرد والترك وغيرهم حفاظاً على وحدة الشعب. لكن، وبسبب عدم تلقي هذه الآراء السمحاء والمطالب العادلة آذاناً صاغية من أصحاب القرار الذين يمضون الليالي الملاحَ بصحبة»أبو الهدى» وجوقته، واستمرارهم في ظلم الأكراد ظلماً فاق كلّ حدٍّ و تصوّرٍ، قام الأميرُ بتوجيه الأكراد للعمل لأجل مصلحتهم قبل كل شيْءٍ واعتبار، والعمل من أجل الخلاص من جور الدولة الظالمة الخارجة عن حدود تعامل الدول مع شعوبها. لهذه الأسباب، ولأسبابٍ أخرى عديدة منها موقف الأمير الإنساني الذي يمثلُ في جوهره موقفَ الضمير الكردي من قضية قتل الأرمن التي رآها عاراً على الكرد الذين قاموا بتنفيذ بعض فصولها بدفعٍ وتحريض من السلطان وأركان دولته الفاسدة، منتقداً أولئك الكرد بشدّة على تصرفاتهم الهوجاء التي لا تنسجم ولا تتفقُ مع القيم ومثل الشجاعة والتسامح التي يتصفُ بها الكرد عبر تاريخهم. بغية الاطلاع على هذه المواضيع الهامة وغيرها، قمْتُ بترجمة مقالين من مقالات الأمير عبد الرحمن بدرخان المنشورة جريدة»كردستان» الغراء إلى العربية، محاولاً قدرَ الإمكان توخّي الأمانة والدقة في الترجمة، آملاً أن أكونَ قد وُفقْتُ في مسعاي.
(المترجم)
قامشلي: 03/01/2018م
بسم الله الرحمن الرحيم
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا) *
أيها الأكراد!
لقد أمرَ اللهُ تعالى أن تكونوا جميعاً متفقين ومتحدين وألا تتفرقوا أبداً، فإن تعاونتم، سوف يكون الغنى من نصيبكم وتعيشون في أفضل حالٍ. لا تقولوا هذا تركيٌّ وليس كردياً، لأنّ هذا الفكرَ يؤدّي إلى التفرقة والشقاق، والتفرقة تؤدي إلى الفقر والعَوَز. لهذا أيضاً، فقد أمرَ الرسولُ في حديثه بأن (يدَ الله مع الجماعة) أي أنّ اللهَ سبحانَه وتعالى يساعد الناسَ الذين تجمعُهم الوحدة والاتفاق. لذا، إنْ تتفقوا وتتحدوا، سوف تتمكنون من طرد المأمورين الظالمين الذين يرسلهم السلطان إليكم، وإن لم تفعلوا ذلك وتبقوا مشتتين متفرقين، فإنكم سوف تفقدون وطنَكم، دينَكم وشرفَكم في ظلّ حكم أولئك المأمورين الفاسدين! أودُّ هنا أنْ أقولَ وأشرحَ لكم كيفية تعيين أولئك المأمورين الذي يرسلهم السلطان لمناطقكم. كيف يفكرون وماذا يفعلون.
يأخذ السلطان قرابة (20-30) ألف ليرة ذهبية رشوةً من وزيرٍ ويعيِّنُهُ في منصب الصدر الأعظم، ومن ثمَّ يأخذُ الصدرُ الأعظم هذا عدّة آلافٍ من الليرات الذهبية رشوةً من الوزراء ويعيِّنٌهم في منصب ناظر. ويدفع أحدُ الباشوات قرابة الألف ليرة ذهبية رشوةً للصدر الأعظم ليصبحَ والياً لولايةٍ مثل ديار بكر مثلاً. وليستردَّ هذا الوالي ما دفعها من رشوةٍ للصدر الأعظم، سيلجأ إلى الارتشاء أيضاً، فمنْ يدفع له مبلغاً أكبر، يحظى بوظيفة متصرّف. وليتمكن الأخير من استرداد الأموال التي دفعها، يقوم بتعيين من يدفع له المبلغ الأكبر في منصب القائمقام. وحتى يستطيع الأخير استعادة ما دفعها من رشاوي للمتصرف، يقوم بتحصيل تلك الأموال وأضعافها من الكرد المساكين. ولتوضيح الأمر أكثر، سأوردُ لكم هنا مثالاً:
لنفترضْ أنّ هناك في جزيرة بوطان بكردستان شخصٌ باسم»مَحْمُو» يملك 500 رأسٍ من الغنم وزوجةً وأولاداً. يسمعُ القائمقام أن هناك شخص باسم محمو غنيٌّ إلى حدٍّ ما، فيرسلُ ليه ضبطية شرطة تطلبُ من دفع الضريبة المالية عن أغنامه. يقوم محو بدفع الضريبة نقداً ويستلم إشعاراً من الضبطية تعني بأنه قد قام بتسديد ضريبة أغنامه للدولة، إلا أنّ هذه الورقة هي في حقيقتها ورقةٌ مزيَّفة غيرُ رسمية. تقوم ضبطية الشرطة بتسليم المبلغ المحصَّل من محمو إلى القائمقام. بعد مرور شهرٍ، يقومُ القائمقام المحتالُ وحاشيتُه بإرسالِ ضبطيةٍ جديدة إلى بيت محمو تطالبُه بدفع ضريبة أغنامه!. يقول محمو بأنه قد دفعَ الضريبة منذ شهر، ويقدِّمُ لهم الإيصال كدليلٍ. تنظر الضبطية إلى الورقة التي بين أيديهم، وبعد قرائتها تقول له: هذه ورقة ليستْ بذاتِ قيمة وأنت لم تدفع ضريبة أغنامك، إنك تكذب، وعليك دفعَ الضريبة فوراً!. إلا أنّ محمودَ المغبونَ يصرُّ على عدم الدفع للمرة الثانية لأنه مقتنعٌ وواثقٌ بأنه قد دفعَ كلَّ ما تترتبُ عليه من ديونٍ واستحقاقاتٍ مالية تجاه الدولة منذ شهر واحد.
تقوم الضابطة بإعلام القائمقام وإحاطته بما جرى بينهم وبين محمو، فيقوم القائمقامُ باستغلال هذه الحجة الباطلة المفبركة ويأمرُ بجلبه من القرية عنوةً ورميه في ظلمات السجن دون أيّ سببٍ أو جرم اقترفه. تبكي عليه أسرته وأطفالُه، ويتحوّلُ دارُه إلى مأتمٍ يتعالى منه النحيبُ من ظلم مأموري الدولة الذين لا يعرفون للإنسانية معنىً. بعد مرور بعض الوقت، يقوم القائمقامُ بدسِّ أحد رجالاته إلى السجن ليخبرَ محمو بأنه قادرٌ على إطلاقِ سراحه لقاءَ 50 ليرة ذهبية، فيَقبلُ محمو المسكينُ هذا العرض لأن السبلَ قد ضاقتْ به وليست أمامه خيارتٌ أخرى، فهناك أسرة تنتظره وعمل كثير ينتظره. يدفع المبلغ المتفق عليه، فيصل المبلغ إلى يد القائمقام الذي يأمر بالإفراج عنه بعد إرغامه على دفع ضريبة أغنامه ودوابه للمرة الثانية!.
يعودُ المغدورُ محمو إلى داره في القرية، وقد تعرّضَ لخسارة كبيرة بسبب بقائه في السجن، حيث بقيتْ أرضُه بوراً لم يقمْ أحدٌ بزراعتها، ولم يتمكنْ من بيع حليب أغنامه وخرافه ولا شراءَ مستلزمات بيته، وتقدر خسارته بـ 200 ليرة ذهبية. فعدا عن 50 ليرة ذهبية التي أخذها منه القائمقام، بلغتْ إجمالي خسائر محمو في السنة الأولى 300 ليرة ذهبية. بعد مرور سنة، تزداد الضائقة المالية لـ محمو ولا يستطيع تقديمَ العلف لأغنامه في الشتاء، فيُنفَقُ منها 300 رأس من الجوع، ويزداد وضعه المالي سوءاً وتدهوراً. تأتي الضبطية مرة أخرى لتحصيل ضريبة أغنامه، فلا يملكُ محمو مالاً لدفعه. تقومُ الضبطية بأخذ خمسين رأساَ من ماشيته لبيعها في البازار برخصٍ وإعطاء المبلغ للقائمقام. ونظراً لحاجته الماسة للمال، يقوم محمو باستدانة مبلغٍ من أحد أصحابه ليشتريَ به لوازم بيته وحاجاته الضرورية وعلف أغنامه ودوابه، لكنه، لضيق ذات اليد، لا يتمكنْ من دفع ديونه، فيقومُ هو نفسُه ببيع عددٍ من أغنامه لدفع ديونه المستحقة، ويبقى لديه في نهاية المطاف 300 رأسٍ من الغنم والخراف.
في هذه الأثناء، تمَّ عزلُ القائمقام القديم لأن شخصاً آخرَ قد قام بدفع مبلغٍ أكبر للمتصرّف وحظي بالمنصب. يسمعُ القائمقام الجديدُ بأنّ هناك شخصٌ اسمُه محمو لديه 300 رأسٍ من الماشية، فيختلق له اتهاماً ليجلبَه من القرية ويزجّهُ في السجن!. لكن، ولأن محمو المسكين قد اكتسبَ خبرةً في كيفية الخروج من السجن من تجربته السابقة، يقوم بإرسال ابنه أو أخيه إلى أحد رجالات القائمقام الجديد ويدفع له 50 ذهبية ليتم الإفراج عنه. لكن، وبسبب تراكم الديون عليه، يقوم ببيع جميع أغنامه حتى يسدد ديونه ويدفع للقائمقام 50 ذهبية التي خرج من السجن لقاءها. وهكذا، فرغ بيتُ محمو من الأغنام. وبتوالي الأيام والسنين، ازدادَ محمو فقراً، ورغم كل مآسيه، لم تتركْه الضبطية في حاله، بل استمرت ْفي إيذائه، وطلبتْ منه ضريبة داره!، ولأنه لم يعدْ يملكُ ماشية ولا مالاً، قام ببيع صيغة زوجته وبناته وإعطاء المال لمأموري الدولة!. وأخيراً، استولت الضبطية على موجودات داره وبيعها في البازار وإيداع المبلغ في حساب القائمقام. بعد سنواتٍ قليلة، أصبح محمو، ذلك الرجل الثري لا يملك أيَّ شيء، وأصبح رجلاً فقيراً يحتار في كيفية تأمين لقمة عيشه ولقمة أطفاله الذين باتوا عرضة للجوع والبرد والفاقة. حينما كان محمود غنياً، كان يعملُ لديه بعضُ الرعيان والعمال الفقراءِ الذين يقومون بخدمة الأغنام والأبقار لقاء حصولهم على الطعام ومستلزمات المعيشة. لكن، بعد أن فقدَ محمودٌ كل أغنامه ودوابه، فقد أذِنَ لهم بالمغادرة للبحث عن عملٍ في مكان آخر كي لا يعانوا الجوع والعوز. فلو بقي محمود غنياً وسلم من ظلم مأموري السلطان، لقام بتزويج أبنائه وبناته، لكنه بسبب الفقر الذي بات يلفّ كل جوانب حياته، لم يعدْ بمقدوره تزويجهم! ولهذا السبب فإنّ عدد السكان في كردستان يتجهُ نحو النقصان الشديد.
أيها الأكراد!: إن غالبية المأمورين الذين ترسلُهم الحكومة لوطنكم وقراكم إنما هم من هذا القبيل، حيث يقومون بتخريب وتدمير وطنكم تدريجياً وأنتم عن أفعالهم غافلون! تأملوا في هذا المثال الذي أدرجْتُه لكم، عندها ستعرفون أي وضعٍ مأساوي وأيَّ ظلمٍ كبيرٍ تعيشونه.
يا علماء الأكراد!: لماذا أنتم صامتون ولا تقومون برفع أصواتكم عالياً ضد كلِّ هذا الظلم الذي يمارسه مأمورو السلطان؟ فأنتم علماءٌ وتعرفون بماذا أمرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلمَ إذْ قال: «لا يكون المرءُ عالماً حتى يكون بعلمه عاملاً». فإنْ لمْ تقوموا أنتم بتوجيه الجهلاء نحو طريق الصواب، ماذا تكون فائدة علمكم؟، فإنكم أنتم مَن تتحمّلون مسؤولية فقرهم وشقائهم. أنتم ترون بأمّ أعيُنكم أنّ المأمورين يقومون بتحصيل الضرائب من رجلٍ قرويٍّ مسكين مرتين أو ثلاثة مراتٍ ظلماً، وإنْ لم يمتلك نقوداً، يستولون على موجودات بيته ويبيعونها في المزاد بسفاهةٍ وصورة مخزية. إنهم لا يقومون ببناء وطنكم من تلك الأموال المستحصلة ظلماً ولا تستفيدون منها، بل أنتم جميعاً ضحايا لقرارات ودسائس أولئك القرباط عديمي الأصل الذين يحيطون بالسلطان في ديوانه ويوجهونه حسب أهوائهم. هل تعلمون أنّ هذه الأموال تدخلُ جيوبَ جواسيس عبد الحميد؟!.
يا أمراء وأغوات الأكراد!: إنكم تشاهدون كلَّ هذه الأحوال السيئة، لماذا لا تقومون بالدفاع عن حقوق أولئك الناس الذين تحكمونهم؟ ألا تعلمون بأن أي تحسنٍ في أوضاعهم سيؤدي إلى تحسنٍ في أوضاعكم أنتم، وإنْ ضعفوا، تضعفون أنتم أيضاً؟. فأنتم بمفردكم لا تستطيعون فعلَ أيّ شيء. لكنَّ ما يؤسفُني هو التفاتُ أمراءُ الأكراد وأغواتهم نحو تلبية رغبات أولئك القرباط الذين يحيطون بالسلطان، وتسوء أخلاقُهم مع الأيام مبتعدين عن القيم النبيلة، ويقومون ببيع عِرضهم وشرفهم لقاءَ أموالٍ زهيدة يرميها إليهم عبد الحميد، ويتركون أبناءَهم يعانون من الظلم وضنك العيش والسفالة لقاء سلطنة ووجاهة قصيرة الأمد في هذه الدنيا الفانية، ويسيؤون إلى آخرتهم!. لقد أمرَ اللهُ تعالى أن تبتعدوا عن التجسسِ على بعضكم بعضاً وألّا ترموا بعضكم بسوء الكلام، لكن مالَ عبدالحميد قد أفسدَكم وشوّهَ جوهركم، فتحولتم جميعاً إلى أعداءٍ يحاولُ كلُّ واحدٍ منكم محوَ أخيه من الوجود وإفنائه!. بهذه الصورة، ويوماً بعد بعد يومٍ ستزدادون بؤساً وفقراً، ويضحكُ الأعداءُ منكم ملءَ الأشداق!, ويستفيدُ مأمورو السلطان الذين يحكمونكم من حالة الاحتراب هذه، وبذلك، يذهب الكرد الذين تحكمونهم ضحيةً لهذا الواقع المأساوي. إنّ حقوق كلَّ أولئك الناس البسطاء مطلوبة منكم أنتم، وأنتم وحدكم المسؤلون عنهم!
أيها العلماء!: ألا تعلمون بأنّ الرسولَ عليه الصلاةُ والسلامُ قد أمرَ في حديثه:»من كتمَ علماً عنده، ألْجَمَهُ الله بلجامٍ من نار». ومعنى الحديث الشريف هو أنّ كلّ عالمٍ يرى أن الحكم ظالمٌ ويجري خلافاً للشريعة، ولا يقوم ذلك العالِمُ برفع صوته رافضاً لتلك الأفعال، فإنّ اللهَ سبحانَه وتعالى سيلجمُه بلجامٍ من نارٍ في فمه.
أيها العلماءُ!: احذروا ولا تخالفوا حديثَ الرسول صلى اللهُ عليه وسلّمَ، وعلّموا الجهلاءَ من بني قومكم، وجّهوهم صوبَ الطريق الصحيح حسبما قرأتم في الكتب الشريفة، لأنهم محتاجون إلى علمكم ومعارفكم، والأمراء والأغوات والعلماءُ محتاجون لقوتهم وجهودهم. فيجبُ أن تتعاونوا جميعاً مع بعضكم بعضاً. يجب أن يرشد العلماءُ الجهلاءَ كما أسلفنا، ويقفَ الأمراءُ والأغواتُ في مقدمة الصفوف متفقين متحدين، هكذا، بهذه الصورة، تكون الممارسةُ الصحيحةُ للدين الإسلاميِّ. فكلّ هذه الآياتِ الكريمة والأحاديث النبوية التي أمرَ بها اللهُ ورسولُه إنما هي لأجل خدمة وسعادة الإنسان، فمَنْ عمِلَ بها، ربحَ الدنيا والآخرة حتماً، ومنْ لم يعملْ بها، فإنه سيشقى في الدنيا والآخرة. وإنْ لم يشقَ هو في الدنيا، فمن المؤكد أنّ بلاءه وسوء عاقبته ستطالُ أولادَه وأحفادَه من بعده.
——–
*العدد/11/ من «كردستان» يوم الخميس 24 رمضان 1316هجري الموافق ليوم الخميس 2 شباط 1899
القِسْمُ الكرديُّ*
أيها الأكراد: أنتم تعلمون أنّ كل شعوب الأرض تعملُ وتجهدُ من أجل خدمة ورفاهِ أبنائها إلا أنتم، فقد تفانيْتُم في خدمة الغرباءِ على الدوام، وهذا أمرٌ سيءٌ للغاية. لقد خدمتم الأتراكََ طيلة السنين الماضية، ماذا جنيْتم وعلامَ حصلتُم من تقديرٍ وإحسانٍ؟ وهل رأيتُم من الحكومة سوى الظلم وسوءِ المعاملة؟!، وهل قلَّدَكم الأتراكُ أوسمةً وعلقوا على صدوركم نياشين الغار لقاءَ خدمتكم لهم؟!. إنكم تنسوْنَ مآسيكم ومغدوريتكم، فعلى يد هذه الحكومة قُتِلَ الكثيرُ من الأكراد في حروبها، في الوقت الذي لم يُعِرْ فيه كرديٌ واحد أدنى اهتمامٍ بوطنه وآلام وأوجاع شعبه!. تُرى، هل خُلِقْنا نحنُ الأكراد لخدمة الغرباء؟!. قبل 500 عام، لم يكنْ هناك تواجدٌ لأيّ تركي على أرض وطننا، أولئك الذين جاؤوا من طوران، وها هم اليومَ يفرضون سلطتهم وحكمَهم علينا في أرض وطننا!. إنهم يختارون لقبَ «الخليفة» لملوكهم المستبدّين الدمويين، أولئك الذين يمارسون شتى صنوف الظلم بحقنا، وهم في حقيقتهم ليسوا بخلفاءٍ، ولا يستحقون هذا اللقب، بل يقع عليهم واجب الخلع لأنهم ظالمون. لكن، ولأنكم غارقون في الجهالة، لا تدركون هذا الأمر. ولكي تبقى الحقائق غائبةً عن عقولكم، تستمرُّ الحكومة في إبقائكم بعيدين عن ميادين ومصادر العلم والمعرفة، وتبقونَ ضحايا الجهل والتخلف. فليطلقِ الأتراكُ وسلاطينهم ما يشاؤون من تسمياتٍ وألقابٍ على أنفسهم، لكن عليهم أن يعلموا بأنّ اللهَ لم يخلق الكردَ من أجل خدمتهم!. إنّ هذا السلطان يبتعدُ عن مسؤولياته أمام الشعب ولا يلتزم بقضاياه قطعاً، فقد حاول منذ عدة سنواتٍ منح جزءٍ من أرناؤوطستان لأعداء الوطن، إلا أنّ الأرناووط رفضوا هذا الأمر وثاروا في وجهه رافعين سيوفَهم، ولم يخضعوا لإرادة وأوامر السلطان المستبدّ، وبذلك، فقد حافظوا على وطنهم، وحموا دينَهم وشرفَهم ومستقبلَ أطفالهم. لديَّ معلوماتٌ موثقة بأن السلطان عبدالحميد قد وعدَ الروسَ بإعطائهم وطنكم كردستان!!، فإنْ لم تبدأوا العملَ والشروعَ بالدفاع عن شعبكم ووطنكم منذ الآن، ستصبحون أنتم ووطنَكم كردستان تحت أقدام عسكر الروس!!. فبدلاً من أن تعملوا لأجل تأمين حياتكم ومستقبلكم، وتصونوا شرفَكم، تقومون بقتل بعضكم بعضاً، وتقتلون نساء الأرمن وأطفالِهم الأبرياء؟!. لقد قال الرسول:»بشّروا القاتلَ بالقتل»، لذا، فإنَّ استمرارَ هذه الحالة سوف تتسببُ في قتالكم جميعاً. إنكم تطيعون أمرَ عبدالحميد في قتل الأرمن، فهل أمرُ عبدالحميد هو أرفعُ مكانةً من حديث الرسول أم أنه أرفعُ من أمر الله تعالى؟!!. يقوم عبدالحميد باستغفالكم حينما يدّعي أن الأرمنَ هم أعداؤكم. ألا تعلمون بأنَّ الأرمن لا يستطيعون معاداتكم؟. إنّ عدوّكم الحقيقيَّ هو ذلك السلطان الذي وعدَ الروسَ بإعطائكم له أنتم جميعاً كعبيدٍ مع وطنكم كردستان.
إنني على درايةٍ تامةٍ بأنه قد تمَّ عقدُ اجتماعٍ في ولاية وان من أجل تشريع قتل الأرمن بيد الأكراد، وكان الشيخُ الجليل عبيدالله مرحوم المعروفُ بسعة علمه وخشيته من الله وتقواه حاضراً فيه، حيث قام الشيخ برفض أمر السلطان بشدّة، وقال للحاضرين: «إنْ قمنا اليوم بقتل الأرمن دون سببٍ، سوف يأتي يومٌ يقوم فيه شعبٌ آخرَ بقتلنا!». لقد آنَ الأوانُ أن نعمل ونجهدَ لأجل سلامتنا ومستقبل أولادنا. إنه لمن المعيب أن يقوم الكرد المعروفون بشجاعتهم وسماحتهم بخدمة حكومةٍ ظالمة خارجة عن الحق والعدالة. لقد كنا نحن أصحابَ حكومةٍ منذ عدة سنين وكنا أصحابَ الرأي والقرارفيها، لكنه من المؤسف أننا فقدْنا تلك السعادة وبات السفهاءُ يحكموننا بحقدهم ويتحكّمون بقَدَرنا!. إنّ تفرّقَنا وتشتتنا قد تسببا في نشر العداوة بين الأكراد، الأمرُ الذي يستفيدُ منه الأتراك بمُكرٍ، وبذلك يتعمّق جراحُنا!. يوجدُ بيننا حكامٌ طيبون، محبون ويتصفون بالعدل والاستقامة، فليكن رئيسُنا كردياً، ولماذا يُفرَضُ علينا أن نبقى تحت حكم الأتراك؟ّ!.
لم يقتل الكردُ في تاريخهم العَجَزةَ والضعفاءَ يوماً، إلا أن المأمورين الأتراك قد نالوا منكم واستغفلوكم، فأقدمتُم على قتل عَجَزة الأرمن! وبذلك، قمتُم بتلويثِ صفحة أجدادكم المشهورين بالشجاعة والاستماتة في سبيل الشرف الكرامة.
كفاكم جهلاً! عودوا إلى رُشدكم. لقد كتبْتُ منذ مدة قريبة لعددٍ من الشخصيات والأغوات وبيكاوات الأكراد وطلبتُ منه الإسراعَ بإجراء اتفاقٍ بينهم وإيجاد دواءٍ لهذا الداء الذي يهدُّ كياننا، وإنني أقولُ لكم في جريدتي هذه: يجب عليكم أن تتفقوا وتعملوا معاً من أجل تهيئة مستقبلٍ واعدٍ لكم ولأولادكم. تعاونوا جميعاً للتحرر والخلاص من ظلم الأتراك. سوف أقومُ في المستقبل بإرسال بعض الشخصيات إليكم، فعليكم واجبُ الاستماع إليهم وإطاعة أوامرهم. وإن سنحتْ لي الظروفُ، سوف آتي شخصياً –إن شاء الله- في يوم من الأيام إلى حدود كردستان عند العجم، حينها، سوف أقومُ بتخليص الكرد من ظلم وعبودية الروم بإذنه تعالى، وسوف أبيِّنُ للعالم أجمع بأن الكردَ ليسوا كما صوَّرهم عبد الحميد في إعلامه كأناسٍ أشرارٍ دمويين، وسأثبتُ أيضاً واقعَ أن ما حصل من قتلٍ للأرمن على يد الأكراد إنما كان بتحريضٍ وتشويقٍ من عبد الحميد وأركان دولته الفاسدة.
إنني أرجو من علماء وفقهاء كردستان أن يقوموا بشرح ومذاكرة هذه المواضيع في الجوامع والمساجد، ومن الله التوفيق.
—————
* العدد /27/ يوم الأحد 22 ذو القعدة 1318هجري الموافق ليوم الأحد 17 آذار 1901 ميلادي