في شهر حزيران الجاري، تكونُ قد مرَّت الذكرى السنوية الخامسة والعشرون على صدور جريدة «الوحـــدة»- الجريدة المركزية لحزبنا، حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي). على مدى ربع قرن من الزمن المكتظ بالأحداث والحروب والقضايا التي تهمّ حياة الناس، تلك التي تركت آثارها عميقةً على جغرافية الوطن وخلّفتْ جروحاً وأخاديدَ غائرةً في نفوس السوريين بمختلف انتماءاتهم وولاءاتهم نتيجة كوارث وويلات الحرب المدمّرة التي لا تزالُ تجري على الأرض السورية.
ساهمت «الوحـــدة» عبرَ مسيرتها الشاقة في نشر ثقافة السلم والديمقراطية وحقوق الإنسان، والمطالبة الدائمة باحترام حريات الأفراد والشعوب وإرادتها الحرّة على أرضية مناهضة العنف والعنصرية والتمييز بين البشر تحت أية ذريعة كانت، كما أنها وقفتْ إلى جانب الحق والعدل في وجه الظلم والعدوان، وقامتْ بفضح السياسة الشوفينية الممارسة بحق شعبنا الكردي من جانب الأوساط الحاقدة في سلطة البعث بالترافق مع الدعوة إلى رفع حالة الأحكام العرفية وقانون الطوارئ من حياة السوريين، وإفساح المجال للقانون أن يأخذ مجراه لينطبق على الجميع دون استثناء، والمطالبة بأن تكون الحوار لغةً وحيدة بين الأطراف السياسية المتخاصمة بعيداً عن منطق التعالي والفوقية واستخدام السلطة أداةً لقمع الآخرين المختلفين بالرأي والموقف السياسي.
وفي المأساة السورية الدامية التي لا تزال توشّحُ حياة السوريين بالسواد والآلام، واجهت «الوحـــدة» كافة أشكال التدخل الخارجي في الشأن السوري ودعت المتخاصمين إلى الحوار، كما أنها ناهضت المواقف العنصرية الصادرة عن بعض أحزاب وأطر وشخصيات المعارضة السورية حيال الشعب الكردي وقضيته العادلة، تلك التي ارتضتْ تسليم قرارها السياسي لجهاتٍ خارجية تسعى لاستغلال الوضع السوي بغية تحقيق أجنداتها وأهدافها الخاصة التي لا تتقاطع مع أهداف ومصالح الشعب السوري التواق إلى السلم والحرية، تلك التي تنفثُ سمومَ حقدها في المجتمع بمواقفها وأفكارها العنصرية لتسيءَ إساءة بالغة إلى العلاقة بين مكوناته المختلفة.
وحيال العدوان التركي وأعوانه من المسلّحين السوريين على عفرين وجريمة الاحتلال المنافية لكل القوانين الدولية، وقفت «الوحـــدة» دون ترددٍ في صفّ الدفاع عن حرية عفرين وأهلها، وأدانت الاحتلالَ الذي تمّ بصفقة إقليمية-دولية، وقامت-ولا تزال-بتوثيق جرائم الاحتلال وفضحه ونشره للرأي العام والمنظمات الدولية وهيئة الأمم المتحدة التي أصابها الشلل نتيجة الخلافات وتضارب المصالح بين القوى العظمى المتحكمة بقراراتها، وتقفُ اليومَ موقف المتفرّج إزاء جرائم الاحتلال وأنصاره كجريمة التغيير الديمغرافي التي تتعرض لها عفرين وريفها وغيرها من الجرائم التي يندى لها الجبين، والتي تصل إلى درجة جرائم ضد الإنسانية وفق قوانين الأمم المتحدة ذاتها.
وفي الشأن الكردي، كانت «الوحـــدة» من يوم انطلاقتها الأولى، وعلى دربها الطويل، كانت من دعاة وحدة الحركة الوطنية الكردية وتشكيل مرجعية كردية سورية منبثقة عن مؤتمر وطني تقود النضال وتمثل الكرد بمختلف انتماءاتهم السياسية في كافة المحافل، ومن دعاة تأسيس وتوطيد أفضل العلاقات الكردستانية على أسسٍ من الاحترام المتبادل مع مراعاة خصوصية كل جزء، وتحريم الاقتتال الكردي، وحل الاختلافات الأخوية بالحوار. ورفضت المواقف الارتجالية المتشنجة التي تساهم في تعكير أجواء الحركة، مطالبةً بتغليب التناقض الرئيسي على سواه خدمةً لمصلحة شعبنا والتي لا تتناقض في جوهرها مع المصلحة العامة لسوريا كوطنٍ جامعٍ لكل السوريين المتساوين في الحقوق والواجبات والمتمتعين بنفس الحقوق القومية دون تمييز أو تفضيلٍ.
كانت «الوحـــدة» منبراً يسعى لبيان الحقيقة ووضعها أمام أنظار الرأي العام، منبراً للصوت الحر الذي يرفض الانصياع لإرادة المال السياسي الذي تمكّنَ-للأسف- من حرف العديد من وسائل الإعلام عن مسارها المهني وأهدافها النبيلة، وسيبقى هذا المنبرُ مدافعاً عن الحقيقة، واضعاً إمكاناته المتواضعة في خدمة الأقلام الحرة التي تحملُ همَّ الوطن والإنسان.
وفيما يلي، نوردُ ملخصاً عن العدد الأول من هذه الجريدة.
صدر العددُ الأولُ من جريدة «الوحـــدة»-YEKÎTÎ بتاريخ حزيران 1993م-2605ك بستة عشر صفحةَ من قطع A4، يحملُ العديد من المقالات المختلفة وافتتاحيةً بعنوان»كلُّ الجهود لرفع الاضطهاد عن كاهل شعبنا».
تصدرتْ الصفحة الأولى مقالة بعنوان «المؤتمر الأول التوحيدي لحزبنا، محطةٌ نضالية بارزة»، جاء فيها:
« لقد جاء مؤتمرنا الأول التوحيدي في نيسان المنصرم تعبيراً عن إرادةٍ وحدويةٍ شاملة، مثّلتْها قواعدُ أحزابنا الثلاث وصدقتْها رغبة غالبية أبناء شعبنا الكردي في سوريا من جهةٍ أخرى، التي اكتشفتْ بحسِّها الوطني الصادق أنّ المرحلة التي تمرُّ بها حركتُنا ويحتلجُها شعبُنا هي مرحلة الوحدة، والحاجة لرصّ الصفّ الوطني ووضعه في الإطار النضالي المناسب لإنجاز مهام رفع الاضطهاد القومي بشكلٍ عامٍ، وتحقيق أهداه الموصوفة بالحقوق القومية والديمقراطية للشعب الكردي في سوريا بشكلٍ خاص، ولقد جسَّدتْ مقدماتُ الوحدة هذه واقعيةَ وموضوعية النتيجة الحتمية التي تلتْها ابتداءً من الأعمال المشتركة والمواقف المتطابقة في إطار الخطّ السياسي وأسلوب العمل والقناعات حتى تشكيل القيادة المشتركة لتقودَ المرحلة الانتقالية حيث أصدرت عدة بياناتٍ حول القضايا الحيوية الهامة الوطنية منها والكردستانية منذ نحو عام وأبرزها النداء(الملصق) الذي تمَّ بموجبه كسرُ طوق التعتيم الإعلامي حول قضية المجرّدين من الجنسية، فلمْ تتحمّل الأوساطُ الشوفينية مواجهَتَها بالحقائق الميدانية، فزجّتْ بعددٍ من مناضلي شعبنا في السجون….»
وبمناسبة عيد العمّال العالمي، احتوت الصفحة الثالثة مقالةً بعنوان «ضرورة النضال من أجل تحسين أوضاع الكادحين في سوريا» جاء فيها:
«…ونظراً للأهمية التي تكتسبها المناسبة، كان لا بدَّ لنا من أن ننتهزَ الفرصة لنؤكّدَ تضامننا وتأييدّنا لمشروعية وأهمية النضال الذي تخوضه الطبقة العاملة وكلّ الكادحين أينما كانوا من أجل رفع الظلم الاجتماعي وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وأيضاً لنؤكّدَ للكادحين في سوريا بمختلف انتماءاتهم القومية ثباتَ موقفنا النضالي حيالَ أوضاعهم التي تسيرُ كلَّ يومٍ من سيءٍ إلى أسوأ بسبب التدهور المستمرّ في مستوى ظروفها المعاشية مع تزايد واستفحال أشكال النهب الرأسمالي وانصراف أجهزة الدولة عن الاهتمام بأوضاع الكادحين، وتأثّرهم المؤلم بالارتفاع المضطرد لأسعار السلع والمنتوجات، وتدنّي الأجور، وتقلّص فرص العمل وانتشار ظاهرة البطالة بشكلٍ مخيفٍ، فضلاً عن الأوضاع السيئة التي وصلتْ إليها واقعُ حركتها النقابية التي أصبحتْ مندمجة مع أجهزة الدولة وسياسات الحزب الواحد، وابتعادها عن تمثيل آلام وتطلعات الكادحين بسبب استمرار القيود المفروضة على حرية الحركة النقابية بشكل عام في ضوء سرَيان القوانين والتشريعات الاستثنائية غير المبررة كقانون الطوارئ والأحكام العرفية…»
وفي الصفحة السابعة من الجريدة، وعن حالة الظلم والعسف غير المبرر التي طالتْ عدداً من الطلبة الكرد في الجزيرة نتيجة تعرّضهم للفصل التعسفي من معهد إعداد المعلمين-قسم اللغة العربية- ورد مقال بعنوان» انتهاكٌ جديدٌ لحقوق الإنسان الكردي، نقتطفُ منه الآتي:
«أضيفتْ مؤخراً حلقة جديدة إلى سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان الكردي في سوريا، فخلال اليوم الأوّلِ من امتحانات الفصل الأخير للسنة الأولى التي جرتْ في شهر أيار 1993 استجابَ الجهازُ الإداري في معهد إعداد المدرّسين –قسم اللغة العربية- في كل من الحسكة والقامشلي لقرارات الجهات الأمنية، وأقدمَ على إخراج ثمانيةٍ من الطلاب والطالبات من قاعات الامتحان ليصبحوا محرومين من متابعة تحصيلهم العلمي الذي هو حقٌ طبيعي من حقوقهم كبشرٍ بعد أن أمضوا في الدراسة ثلاثة عشر عاماً دون أن يرتكبوا أيَّ ذنبٍ سوى كونهم ولدوا أكراداً!! فلا يروق للأوساط الشوفينية أن ترى أبناءَ وبناتِ الشعب الكردي ينهلون من العلم والمعرفة ويساهمون في تطور البلاد وازدهارها، ذلك لأن الحقدَ العنصريَّ قد أعمى قلوبَهم…..ومن هنا، نرى أن من واجب المسؤولين الكبار وأصحاب القرار في البلاد الإسراعَ لوضع حدٍّ لانتهاكات حقوق الإنسان الكردي الذي لا ذنبَ له، ويسعى باستمرارٍ لتأمين المساواة القانونية مع سائر المواطنين السوريين. وإنّ استمرارَ تجاهل ما يجري تجاه الشعب الكردي يعتبَرُ مساهمة مقصودة في خلق البلبلة وزرع الفرقة وعرقلة تطور البلاد واستقرارها، والإساءة إلى مكانتها إقليمياً ودولياً…»
وفي الصفحة الحادية عشر وردت مقالة حول القصف الإيراني لبعض المناطق في كردستان بعنوان»نظامُ الغدر والإرهاب في إيران يصعّدُ هجماته العسكرية ضد السكان الآمنين في كردستان» جاء فيه:
«تلاحقت في الآونة الأخيرة أنباءُ قصفٍ جويٍّ إيراني مكثفٍ لمناطق من كردستان راحت ضحيته العشراتُ من الأبرياء، معظمهم من النساء والأطفال، وتشريد قرابة خمسة آلاف إنسان كري من بيوتهم. صدرَ على إثره بيان من الحزب الديمقراطي الكردستاني-إيران وُزِّعَ على الصحافة ووكالات الأنباء العالمية جاء فيه تنديدٌ لعمليات القصف هذه وفضحٌ لسياسات حكام طهران وادّعاءتهم الكاذبة التي طالما يرددونها للنيل من مكانة الحركة التحررية لشعب كردستان إيران، وفي حينه أُشيرَ إلى البيان المذكور في العديد من كبريات الصحف ووكالات الأنباء العالمية، فكان للخبر صداه الملحوظ لدى الرأي العام العالمي وموضع قلق واستنكارٍ شديدين لدى عموم أوساط شعبنا الكردي في سوريا…
صحيحٌ أن القصفَ الإيراني المتكرر هذا يستهدفُ أساساً وبالدرجة الأولى ضرب قوى ونفوذ المقاومة التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني-إيران وإجهاض قوى المعارضة الإيرانية بمثابة تدبير وقائي، ولكن يبدو أيضاً أنه يرمي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في كردستان العراق وإضعاف دور المؤسسات الشرعية المنتخبة وأطر الوحدة الوطنية هناك، حيث أن الموقفَ الإيراني حيال إعلان الفيدرالية في كردستان العراق معروفٌ كم هو سلبي ومناهض، ويبدو ذلك واضحاً تماماً من خلال اللقاءات الدورية بين وزراء خارجية كلٍّ من إيران وتركيا وسوريا المتمحورة أساساً حول كيفية إفشال إعلان الفيدرالية في كردستان العراق وزعزعة الوضع القائم فيها….».
* جريدة الوحـدة – العدد /297/ – حزيران 2018 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)