القسم العاممختارات

الدور السياسي لعائلة إبراهيم باشا الملي في غرب كردستان وشمال بلاد الشام* …

د.آزاد أحمد علي

ibrahim pasha u Qusila

إبراهيم باشا مع القناصل الأوربيين في حلب عام 1904 م

 مجلة”الحوار” ، العدد 65 ، تشرين الأول 2012

 لقد كانت سلطة الدولة العثمانية على المناطق الكردية في شرق الأناضول سلطة اعتبارية، فقد كان الأكراد أول من بايع العثمانيين وأيدوا خلافتهم وزعامتهم للمسلمين من الناحية الأيديولوجية “المذهبية”.  وسهلوا بهذه المبايعة نقل مركز السلطة الإسلامية من بلاد العرب ومن السلالة العباسية العربية إلى الأتراك والى مدينة استانبول غير العربية. فقد كانوا طرفا مساندا للعثمانيين من الناحيتين السياسية والمذهبية.

أما في الجانب الاجتماعي وبالأخص في الأرياف فقد اعتمدت السلطنة على الولاء القبلي الكردي، كما استندت إلى قوة البكوات الأكراد الحضر منهم والبدو. ووظفت لصالحها نفوذ الإمارات الكردية القوية القائمة على الأرض في المحيط القريب لمركز الخلافة العثمانية.

   لقد تمكنت السلطة التركية من تركيز وترسيخ قوتها ووجودها في غرب الإمبراطورية العثمانية اعتمادا على قوة الأكراد وولاءهم وتفرغت للخطر القادم من الغرب ، من قلب أوربا, حيث تمكنت من تأمين حدودها الشرقية ونواتها الجغرافية الأساسية أي بلاد العرب وكردستان دون نزاعات كبيرة، لذلك ظل الحكم العثماني على المناطق الكردية شكليا.

  • الاتحاد القبلي الملي

في هذه المناخات السياسية والعسكرية والأيديولوجية تنامت دور القوى القبلية في المجتمع العثماني والكردي منه على وجه الخصوص, وظهر هذا التنامي في أوضح أشكالها بصيغة اتحادات واستقطابات قبلية واسعة وقوية وكان أبرزها الاتحاد القبلي الملي. إذ كان أساس هذا الاتحاد وعمودها الفقري هي قبيلة ملان “Milan” الكردية وقسم صغير منها على وجه أكثر تحديداً تدعى بامري “Bamiri”، وعلى ما يبدو كانت هذه الأخيرة  مجموعة من العائلات المصنفة كنخبة اجتماعية  داخل مجتمع ملان الأول نفسه.

برز قوة هذا الاتحاد وتشكيلته الأولى أوائل العهد العثماني في مطلع القرن السادس عشر الميلادي حسب أبو بكر (1)، وإلى فترة زمنية أقدم من ذلك حسب مصادر أخرى (2).

أصل تسمية ملان هو جمع لمفردة مل “Mil” في اللغة الكردية, والمفردة تحمل عدة معان أولها طرف أو كتف, والمعنى الآخر هو قوم وهي مشتقة من مصطلح “ملة” الوارد ذكره في القرآن الكريم. هذا وتصنف القبائل الكردية حسب معظم الدراسات الأثنوغرافية والاجتماعية إلى ملان “Milan” وزيلان “Zilan” وبذلك يتم التأكد من أن النواة القبيلة الملية هي من أقدم

وأعرق القبائل الكردية, وربما كانت في الأصل كبيرة كونها اكتسبت لغويا صفة الملة  ـ القوم لكثرة عددها واتساع حلفها وتعدد الأفخاذ والعائلات المنضوية تحت لواءها، لدرجة أن كانت تسمى في بعض المصادر بهزار مل “Hezar mil” أي ألف قوم. وعلى الأرجح كان أكراد جنوب غرب كردستان يصنفون جميعا على أنهم من الملان في مواقع وسياقات مختلفة.

ضم الاتحاد القبلي الملي العديد من القبائل الكردية والعربية كما استقطبت عددا من القبائل التركمانية القاطنين داخل وبجوار جغرافية الاتحاد الملي،  هذا وكان الاتحاد القبلي اتحادا دفاعيا واجتماعيا  في الأساس. من جهة أخرى اتسع الحلف لمذاهب وأديان متنوعة فلقد كانت الغالبية من المسلمين السنة إضافة إلى الايزيدين والمسيحيين, ولم يكن تأثير الدين قويا على نواة الحلف الملي ولا على زعاماته، مما اتصف الحلف بالتسامح الديني والمذهبي النسبي طوال تاريخه. وقد يعود ذلك أساسا إلى أن الملية كانوا من أنصاف الرحل ولم يكونوا مرتبطين بوشائج قوية بالدين الإسلامي. علما أن قادة الملان قد بسطوا سلطتهم على العديد من القبائل والعائلات الحضرية الريفية. فالاتحاد القبلي ضم الرحل “Kocer” والفلاحون المستقرون “kurmanc”.  وقد حدد مارك سايكس في مراحل متأخرة عدد القبائل الملية الكردية منها بأربع وأربعين قبيلة إضافة إلى عدد من القبائل العربية أنصاف الرحل والمستقرين على ضفاف أنهر الفرات والخابور والبليخ(3). وظل الحلف القبلي الملي فعالا حتى أواسط القرن العشرين، إذ حدد العلامة أحمد وصفي زكريا عدد القبائل المنضوية ضمن إطار الحلف الملي أواسط القرن العشرين بخمسين قبيلة كردية وعربية.(4)  وفي الواقع لا يمكن حصر وتحديد عدد القبائل المنضوية تحت لواء الحلف بدقة, لأن عدد القبائل كان يتغير من مرحلة إلى أخرى، يزداد عددها وينقص حسب احتياجاتها ومصالحها الاجتماعية. ومن المتوقع أن الحلف اتسع وبلغ الذروة نهاية القرن التاسع عشر، في ظل زعامة إبراهيم باشا وبمباركة شخصية من السلطان عبد الحميد. وما هو مؤكد أن الغالبية العظمى من هذه القبائل كانت كردية، تمتلك نفس السمات الأنثروبولوجية، ولا تختلف بعضها عن الآخر كثيرا من حيث نمط المعيشة والسمات الاجتماعية العامة. فهي تسكن أعالي الجزيرة الفراتية، لها ملامح أثنوغرافية مشتركة ولغة واحدة، هي اللغة الكردية، اللهجة الشمالية “كورمانجي”. تجمعها روابط ومشتركات ثقافية ومعتقديه مع القبائل العربية والتركمانية كالدين الإسلامي والولاء للسلطنة العثمانية. وفيما بعد برز مشترك آخر بين مجموع أطراف الحلف القبلي، وهو الدفاع عن مصالحها الاقتصادية المتمثلة في استغلال المراعي والأراضي الزراعية، وضرورة حمايتها في مواجهة الغزو والهيمنة البدوية القادمة من قلب الجزيرة العربية.

كان القسم الأكبر من القبائل الملية تعتاش على تربية الماشية من الأغنام والماعز والأبقار إضافة إلى القليل من الإبل. لذلك كانت محور حركة هذه القبائل الرحل تتم شمالا وجنوبا، حيث تكون مراعيهم الصيفية على أطراف الجبال ومرابعهم الشتوية في سهول الجزيرة السورية على ضفاف الفرات. وكانت هذه القبائل تتوزع على جغرافية أرض واسعة تقدر بعشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة, تقع بين المدن التالية (ديار بكر, حلب, الرقة, ماردين, الموصل) إلا أن المركز الحضري لجغرافية الاتحاد الملي كانت مدينة ويران شهر “weran sehir” الواقعة حاليا إلى الشمال من بلدة تل أبيض, وتبعد عن الحدود التركية- السورية حوالي خمسين كيلومترا. هذا وقد كانت جغرافية انتشار الاتحاد القبلي الملي على الشكل الآتي: “تقع منازل هذه الطوائف الكردية في الولايات الشرقية والجنوبية من تركيا, وشمالي الشرق من سوريا. يحدها قوس يمتد من بلدة الجزيرة ونهر الخابور إلى بينغول صاعدا, وإلى بلدة سفريك نازلا. ومن هناك إلى بيره جك وأورفه غربا. وإلى الحسجة وجبل سنجار جنوبا. ومن هناك إلى ماردين والجزيرة شرقا فتقع مواطنها في الجنوب من جبال طوروس الشرقية وعلى نهر الفرات نحو الشرق والغرب. وتقع بلدة ويران شهر ـ مركز رؤساء هذه الطوائف ـ في وسط الخط بين ماردين وأورفة.”(5) تبلور وكبر الاتحاد القبلي تحت لواء وزعامة عائلة تنسب إلى رجل حاكت حول بطولاته الحكايات والسير الشعبية وكان يدعى “كلش عبدي” “Keles Ebi”. في حين بقي دور القسم الشرقي من قبيلة ملان في سهول جنوب ماردين، غرب مدينة عامودا وجنوبها, محدودا وبعيدا نسبيا عن الصراعات القبلية والسياسية الكبرى. إذ أن قسم من القبلية الملية الأصلية كانت ومازالت محصورة في سهول شمال الحسكة، وهي تتبع زعامة عائلة خضر آغا ونواف حسن، وهم منفصلون عن عائلة كلش عبدي وقيادة وإبراهيم باشا الذين طغوا بدورهم العسكري على المشهد الاجتماعي والسياسي طوال قرون. على الرغم من أن بعض المصادر والمرويات الشفاهية تشير إلى أن القسم الملي التابعين لخضر آغا والقريبين من مدينة الحسكة  هم أصل القبيلة الملية. مهما يكن فان دور هذا الجناح “الشرقي” من القبيلة قد تم إهماله، لضرورة تركيز البحث على دور الجناح الغربي للإتحاد القبلي الملي وهو الأساسي والأكبر، وكان بقيادة فرسان من سلالة كلش عبدي. حكم أحفاد كلش عبدي القبيلة وقادوها نحو النمو والازدهار والتوسع على مدى ثلاثمائة عام تقريبا، تداخل نفوذ العائلة القبلي وتفاعل مع دورها السلطوي السياسي بدءا بزعامة تيمور باشا في نهاية القرن الثامن عشر. لقد بدأت المرحلة السياسية الأولى لنهضة الاتحاد القبلي الملي مطلع القرن الثامن عشر عندما أرادت السلطة المركزية العثمانية الاستفادة من دورها وإمكاناتها في استتباب الأمن في سهول الجزيرة الفراتية وشمال بلاد الشام. ووضع حد لامتداد البدو شمالاً نتيجة للانزياح الطبيعي والهجرة من الجزيرة العربية نحو أعالي الجزيرة الفراتية.

  • سياسة التوطين والتحضر

 عندما فكرت السلطة العثمانية بسياسة سكانية لضبط الأمن وزيادة الاستقرار الحضري في شمال بلاد الشام، توجهت أولا للعنصر التركي والتركماني على وجه التحديد، فشجعت بعض القبائل التركمانية على الاستيطان في مناطق ريف الرقة وحلب بدءا بعام 1691م. وكانت هذه السياسة من أوائل عمليات الإسكان والتوطين الموجهة والقسرية لأسباب عسكرية وسياسية واجتماعية في المنطقة. فأصدرت لذلك فرامانات ونظمت ملكية الأرض وشرعت ونظمت العمل الزراعي، فحددت ضريبة الدولة من مجمل الإنتاج الزراعي بالثلث 30% . إلا أن هذه السياسية  لم تنجح. ولم يتمكن التركمان من تحقيق الهدف المطلوب، سواء من ناحية التنمية الزراعية أو الاستقرار الأمني. وضايقتهم القبائل العربية القادمة من الجنوب والضاغطة باتجاه الشمال، وذلك بسبب الطلب على الأرض والمراعي. فعاد عدد منهم الى مناطقهم الأصلية، وفر قسم آخر بعيدا إلى الشمال، إلى مناطق الأناضول الغربي.(6)  وبناء على هذه النتائج المخيبة تم التوجه على الأرجح الى سياسة الاعتماد على القبائل الكردية الأكثر عددا والمتواجدين في المحيط القريب لشمال بلاد الشام. فقد تم تشجيع أفخاذ “بهاء الدينلي وجمال الدينلي، حسنلي وبيدانلي من القبيلة الملية” للإسكان في أرجاء الرقة   حوالي عام 1711م.(7) وفي محاولة لاحقة فقد شجعت السلطة العثمانية أقسام أخرى من قبيلة ملان خاصة أفخاذ (بامران, عمريان, دوديكان ) مع بعض العائلات التركمانية للاستقرار في الرقة من جديد لإعادة أعمار المدينة وريفها والعمل في الزراعة. إلا أن معظمهم عاد إلى حياة نصف الترحال, وظل قسم آخر مستقرين في المدينة. ومن المحتمل أن يكون من تبقى في المدينة هم أجداد العائلات الحضرية القديمة في الرقة.

 دفعت الظروف والمستجدات السياسية والإخفاقات في السلطنة للبحث المستمر عن قبائل قوية وزعامات متمرسة للاستفادة منها في حل النزعات وتأمين الاستقرار الاجتماعي والسياسي جنوب الأناضول وشمال بلاد الشام، فقد تم عام 1779 دعوة زعماء العشائر القوية إلى اسطنبول ليمنحهم السلطان لقب الباشا ولتوظيفهم في سياستها الداخلية. وكان من أبرز هؤلاء تمر بك زعيم عشيرة الملان “Milan”. تزايدت قوة تمر باشا في قيادة قبائل ملان وبسط سيطرته على رقعة واسعة ونافس زعامة ديار بكر الحضرية. فاصطدمت قبائل الملان بأهل ديار بكر في أكثر من مناسبة. رقي تمر باشا في سلم الوظائف والحكم إلى أن أصبح والياً على الرقة عام 1800 م.

  • تمر باشا

يقول المؤرخ عبد القادر عياش بهذا الصدد: “في سنة 1205هـ – 1790م ثار تيمور باشا الملي رئيس قبيلة الملية الكردية الكثيرة العدد, وكانت تعيش على تربية المواشي وتتجول في الأراضي الواقعة ضمن ايالات الرقة ودياربكر وحلب، وكان نفوذ تيمور قد ازداد وفرض سيطرته على القرى والقبائل, وأخذ يجبي الضرائب من السكان لنفسه واستولى على جميع المراكز الواقعة ضمن ايالتي حلب وديار بكر والرقة وامتد نفوذه إلى ايالة حلب لعدم وجود مقاومة له… وفي سنة  1215 هـ  1800م عين تيمور بك الملي رئيس عشيرة الملية والثائر السابق والياً على الرقة بعد أن صدر عفو السلطان عنه ومنح رتبة الوزارة”.(8) إن الاتحاد القبلي الملي بزعامة سلالة كلش عبدي دخلت المعترك السياسي في القرن الثامن عشر ونظمت سلطتها المحلية حسب التوازنات الداخلية والخارجية, وحققت للسكان المنضوين تحت لواء الحلف وضعاً معاشياً مستقراً وآمناً. وعندما اشتد غزو القبائل البدوية العربية “عنزة, شمر” نحو الشمال، وهي قبائل لم تكن تخضع تماماً لنفوذ السلطة العثمانية ولم تنضبط حسب قوانينها المركزية، شجعت السلطة العثمانية وفعلت من دور الاتحاد الملي ورسخت قيادة العائلة الحاكمة فيها للحفاظ على الأمن والاستقرار والزراعة والقرى القائمة على ضفاف أنهر “الفرات, البليخ, الخابور”. إلا أن ضغط الغزو البدوي سبب في رحيل عدد من القبائل التركمانية من جديد، والى خراب قراها ونزحت من بلاد الشام الشمالية إلى الأناضول للاحتماء والاستظلال بالدول العثمانية.

كما أن القبائل العربية المستقرة وتلك التي تعتبر من أنصاف الرحل انتظمت في إطار الاتحاد القبلي الملي لصد هجمات البدو والحد من طموحها في التوسع والغزو شمالاً ونهب أموال وممتلكات القرويين من عرب وأكراد … وظلت إحدى أهم وظائف الاتحاد الملي هو ضبط الاستقرار والحد من غزوات البدو من شمر وعنزة. والمحافظة على نمط الحياة الفلاحية المستقرة، واستمرت هذه الوظيفة البنيوية  للحلف الملي حتى مطلع القرن العشرين.(9)

  • نزعة الاستقلال عن السلطة العثمانية

وفي سياق متابعة تفاصيل تاريخ الاتحاد الملي، يتضح للدارس بأنه كلما زادت قوة الاتحاد القبلي الملي ونزع قادته مع مرور الزمن إلى مزيد من الاستقلالية عن السلطة العثمانية المركزية والتحرر النسبي عن الحكم في استانبول، كانت السلطة العثمانية تلجأ إلى العنف وتشن حملة عسكرية على الملية لتدمير قوتها المتعاظمة، ولإجبارها على البقاء ضمن حدود سيطرة الدولة. وكانت توظف باستمرار طاقة الاتحاد القبلي الملي، وتستغل من جديد فترة نهوضها وكذلك ضعفها لضبط التوازنات الداخلية في الإمبراطورية العثمانية. وفي سياق سياسة السلطنة هذه تم تجريد تمر باشا من قوته وعين أخوه إبراهيم باشا رئيساً للقبيلة الملية، الذي كان ضعيفا بالمقارنة مع سلفه.(10) لاحقا وفي عهد أيوب بك ابن إبراهيم باشا الأول استقل الاتحاد الملي بشؤونه وطور أيوب بك قوة القبيلة ولم يكترث بأوامر الحكومة العثمانية ودام حكمه لفترة طويلة إلى أن زحف الجيش العثماني عليه ودارت بين القوات الملية والعثمانية معارك دامية أسفرت عن القبض على أيوب بك وسجنه في قلعة ديار بكر. وظل مسجوناً إلى أن مات فانتقلت الرئاسة إلى ابنه تيماوي بك وهو حفيد تيمور باشا السابق الذكر.

  • التحالف مع المصريين

مع حكم تيماوي بك دخلت القبائل الملية معترك النزاعات السياسية فانتهز تيماوي بك فرصة الخلاف والقتال بين الحكومة العثمانية وبين  خديوي مصر إبراهيم باشا فتحالف مع المصريين وقدم للقوات المصرية الكثير من المساعدات.(11) أثر ذلك انتقلت قيادة الاتحاد الملي إلى موقع سياسي جديد فخطت خطوة  خطيرة في تاريخها السياسي والعسكري، والمتمثل في تحالف تيماوي باشا “تمو” وتعاونه مع إبراهيم باشا المصري ورغبتهما المشتركة في مقاومة السلطنة العثمانية والتخلص من سلطتها ونفوذها  المركزي.

 فقد قدم الحلف الملي الطعام والمواشي والإمدادات اللوجستية للجيش المصري فضلا عن أنهم قاتلو معا لمواجهة قوات العثمانيين. كما أفسحوا المجال للقوات المصرية للدخول إلى بعض المناطق الكردية قرب مركز السلطنة العثمانية.(12)

وعلى ما يبدو لم يكن ما يربط القبائل الملية مع عائلة محمد علي باشا الكبير في مصر هو هدف سياسي مشترك فحسب، وإنما علاقة قربى قد تكون بعيدة بين حكام مصر عصرئذ وسلالة كلش عبدي حكام غرب كردستان وشمال سورية أواسط القرن التاسع عشر بين أعوام 1833- 1840م. وتشير بعض الروايات والمصادر إلى أن العثمانيين قد سمموا تيماوي باشا، أو قتل في المعارك عام 1835م، بعد هزيمة إبراهيم باشا المصري وتراجع قواته وانسحابها من بلاد الشام أمام تقدم قوات السلطنة العثمانية المركزية. (13) خسرت القبائل الملية من جديد قوتها وجيشها وقتل تيماوي بك حسب أغلب الروايات: “لكن الأمر لم يدم إذ قتل في المعركة بعد ذلك بقليل, وبعد وفاة الرجل وجلاء الجيش المصري من البلاد المفتوحة عادت الحكومة العثمانية فبسطت حكمها على هذه البلاد مرة أخرى, ونظراً لفقدان العشيرة الملية هذه زعيمها الأوحد نزلت بها مصائب وويلات عظيمة حيث أغارت عليها عشيرتا طي وشمر العربيتين واستولتا على كثير من القرى والبلدان التي كانت منازل ومأوى للأكراد”.(14) وعلى الرغم  من خسارة القبائل الملية للحرب إلا أنها كونت علاقة دبلوماسية مع حكام مصر، الذين ساعدوها في التوسط لاحقا لدى السلطان للعفو عن قياداته وإعادة دور القبيلة السياسي من جديد.

  • الفرسان الحميدية

المرحلة السياسية الأهم والتحول الأكبر الذي طرأ على حياة الاتحاد القبلي الملي وعلى دور زعامته العائلية كان ناتجاً عن قرار تشكيل الأفواج العسكرية الحميدية.

كان لفرمان تشكيل الفرسان الحميدية حوالي عام 1891م الدور الأبرز في تاريخ العائلة، هذا القرار الذي عوم دور قبائل الملان السياسي ودفع زعامتها العائلية القبلية نحو سويات جديدة من النشاط السياسي الطموح. لقد شكلت الأفواج الحميدية الرافعة الأهم لدور الاتحاد القبلي والعائلة الحاكمة وتحديداً رسخت زعامة إبراهيم باشا “برهو” وأدخلت الاتحاد القبلي الملي تحت قيادته المعادلة السياسية في جنوب الأناضول وشمال سورية. وبات إبراهيم باشا أحد أهم وأقوى الشخصيات السياسية – الشعبية في السلطنة العثمانية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لدرجة أن كسب لقب مير ميران كردستان “ويعني أمير أمراء كردستان”.(15)

لقد دعمت الفرسان الحميدية أركان الدولة العثمانية وعززت سلطة السلطان عبد الحميد نفسه، لأنها كانت من جهة قواتا خاصة موالية له تماما، كما أمنت مناعة الدولة ضد الكثير من المخاطر الداخلية والتهديدات الخارجية من جهة أخرى. وفكرة تشكيل القوات الحميدية تبلورت على الأرجح في سياق الصراع العثماني مع روسيا القيصرية، فقد أوعز السلطان عبد الحميد الثاني بتشكيل الفصائل الحميدية على غرار الفرق القوقازية في روسيا، وأنه استعار هذا النمط من روسيا،خاصة من منظور استغلال المهارات القتالية للقبائل الكردية والتي استغلها الروس أولا ضمن قوات القوزاق. وطبقت الفكرة بعد أن تحمس لها عدد من كبار ضباط الجيش العثماني وخاصة المشير زكي باشا، لتكون قوات الفصائل الحميدية مساعدة ورديفة للجيش العثماني النظامي. علما أن قوامها الأساسي كان كردياً، لأن الثقل الأساسي لهذه القوات تكونت في شرق الأناضول، أي  في المناطق ذات الغالبية الكردية. وعلى الرغم من طابعها القبلي الأقرب إلى الميليشيا، لكن قادتها منحوا رتباً عسكرية. وفي الواقع أصبحت الفصائل الحميدية قواتا مساعدة في السلطنة العثمانية من جهة وخطة سياسة لاحتواء الأكراد ومكافأتهم من جهة أخرى على حد تعبير بروينسن:”يجب النظر إلى تشكيل الفصائل الحميدية على أنها وسيلة لمكافأة الأكراد مكافأة أكبر من أجل أن يصبحوا مخلصين للسلطان، والطريقة الأكثر فعالية لضبط الأمن والنظام في الأناضول الشرقي”(16)

توافرت فرصة  ذهبية لإبراهيم باشا المتزعم للقبيلة والقائد لقواتها غير النظامية لينخرط في سلك الدولة العثمانية ويرتقي بتنظيم قواته القبلية البسيطة والعفوية نحو أفواج نظامية مدربة ومؤهلة للحرب تحت راية السلطان عبد الحميد نفسه. وقد حققت هذه الخطوة بالفعل اندماجاً في منظومة السلطنة العثمانية السياسية والعسكرية والإدارية، فاندغم ما هو قبلي شعبي بما هو سياسي تابع مباشرة للدولة. لذلك توجت عملية تشكيل الأفواج الحميدية زعامة عائلة كلش عبدي على مجمل المنطقة الجنوبية من الأناضول وشمال سورية ورسخ أكثر  فأكثر دور الأكراد العسكري، إذ غلب   على هذه الأفواج الطابع الكردي كما تم ذكره سابقا. وتزايدت عدد أفواج المتطوعين عاما بعد آخر. فكانوا ينتسبون إلى الأفواج من جميع المناطق الكردية، وحتى من خارجها أحيانا. لدرجة أن تم تجنيد فوجين من الفرسان الحميدية من بين أكراد حماه، وكانوا من أبناء قبيلتي خضركا وكوران. هذا وبلغت عدد الأفواج التي تخضع لقيادة إبراهيم باشا ثلاث وستون فوجا في ذروة التجنيد والتنظيم.(17) لقد فعلت ورسخت قوة الأفواج الحميدية وكثرتها دور إبراهيم باشا ونافس ولاة المدن الكبرى ورفع من مستوى الدور السياسي والعسكري للاتحاد القبلي الملي بزعامته  ليكون صاحب السطوة والكلمة الأولى في شمال بلاد الشام وغرب كردستان. وبات إبراهيم باشا قريباً من تحقيق حلمه ببسط سيطرته ومد نفوذه إلى مدينة حلب التي كان يعتبرها مركزاً للتجارة والمال, فضلاً عن أنها بوابة للوصول إلى البحر فأوربا. لقد كانت حلب قبلته وغايته السياسية الإستراتيجية, وبوابة طموحه نحو الاستقلال عن استانبول, عند توافر المناخ والوقت المناسبين.

  • نواة دولة ذات حكم ذاتي

لقد منح السلطان عبد الحميد صلاحيات واسعة للفرسان الحميدية، وبرز نجم إبراهيم باشا كنتيجة لتوسع هذه الصلاحيات، وفي سياق تنامي الصراعات الداخلية. فتتالت عليه الألقاب وتبلور حلمه السياسي بتحقيق أكبر قدر من الاستقلال, لذلك شكل إبراهيم باشا نواة دولة ذات حكم ذاتي عاصمتها مدينة ويران شهر. وجمع ثروة مالية هائلة واستقطب الحرفيين والتجار والإداريين. حدث كل هذا دون أن يظهر لديه بوادر أيديولوجيا قومية أو أفكار استقلالية واضحة.(18) وعلى الرغم من أن زعامته القبلية – العسكرية كانت تتعارض مع الزعامة القومية  الثقافية – الحضرية الكردية أحياناً ويصطدم مع ممثلها من النخب الحضرية وخاصة داخل مدينة ديار بكر, إلا أن ظاهرة استقلالية وقوة الملية بقيادة إبراهيم باشا اكتسبت صفة قومية. وان لم يفضي الواقع السياسي وتطبيقاته العملية إلى أفكار وممارسات قومية صرفة.

معارضة سياسية كردية للفرسان الحميدية

لقد عارضت القيادات القومية الكردية تشكيل الفصائل الحميدية، إذ تشير بعض المصادر إلى أن العائلة البدرخانية التي كانت تقود النخب القومية الكردية عصرئذ، كانت ضد الانضمام إلى هذه الفصائل. ففي جريدة كردستان(19) وردت انتقادات صريحة للفرسان الحميدية، وتم وصفها بالمؤسسة الفاسدة. كما بينت أسباب تشكل هذه الفرسان، ونتائج تشكيلها السلبي على الكرد وقضيتهم. ودعت الجريدة القبائل الكردية والعربية إلى عدم الانضمام إليها والمشاركة في نشاطاتها.(20) لقد تبلور في مطلع القرن العشرين اتجاهان سياسيان في شرق الإمبراطورية العثمانية, الأول هو القومي الكردي المدني إن جاز التعبير ممثلاً بالجمعية الكردية الفتاة وغيرها والتي كانت تدعو إلى الإصلاحات داخل الدولة العثمانية وتعارض حكم السلطان وتنسق عملياً مع ممثلي الاتحاد والترقي, أما الاتجاه الآخر فتمثل بالزعامات القبلية الكردية وكانت أقواها هي زعامة إبراهيم باشا وكانت موالية بل مدافعة عن السلطان عبد الحميد الثاني وتعمل لترسيخ سلطته وتدافع عن شرعية السلطنة بزعامته. لذلك راهن إبراهيم باشا على السلطان عبد الحميد والمشير(شاكر زكي باشا) قائد الجيش الرابع العثماني  في أرزنجان, في تحقيق أمانيه السياسية أولا وتثبيت زعامته القبلية ثانيا. إلا أنه أدرك لاحقا بأن الدولة العثمانية في طريقها إلى التفكك،وان سلطة السلطان عبد الحميد في تراجع، وعلى اعتبار ان علاقاته كانت متوترة مع الاتحاديين، فقد خطط للتحرر من السلطة التركية المركزية والاستعانة بالأوربيين. وثمة روايات تاريخية تشير إلى أنه قد ثار عمليا على السلطة العثمانية وعلى الاتحاديين تحديدا: “في بداية القرن العشرين قام إبراهيم باشا رئيس عشائر الملان الكردية بثورة، ويقول السفير الروسي في اسطنبول بان إبراهيم باشا كان صاحب نفوذ قوي في المنطقة حتى أصبحت طلباته عند السلطان تلبى أكر من طلبات بعض أركان حكمه. وكان يسيطر على من بيرجيك حتى الفرات ومن الموصل حتى دجلة. وهو يحكم هذه المنطقة. وحسب أقوال أحد السواح الألمان بأن إبراهيم باشا هو ـ مللك كردستان غير المتوج ـ وفي عام 1906-1907 خرجت عن سلطته الفعلية دياربكر واورفة وحلب.” (21)

لقد سعى إبراهيم باشا أن يبدأ استقلاله من حلب، فقد اتصل مع القناصل الأوربيين وخاصة الفرنسي. وتشير مصادر العائلة ووثائقها(22) بأنه قد اجتمع مع القنصل الفرنسي في منزل القنصل النمساوي بوخا بمدينة حلب عام 1904، كما هو موثق في الصورة المرفقة. لكن ما استنتجناه من انطباعات عن هذه المرحلة وعن جهود إبراهيم باشا في ضم حلب إلى مجال نفوذه،  تتلخص بعدم رغبة أهالي حلب بأن يبسط إبراهيم باشا حكمه على المدينة أو تقع بشكل أو آخر تحت دائرة نفوذه. وهذا الموقف السلبي لفعاليات حلب اتجاه إبراهيم باشا جاء على الأرجح بتحريض من الاتحاديين، كما أن النخب المدينية بحلب لم تكن ترغب بأن تحكم من قبل زعيم عشائري كردي, ويرأس في الوقت نفسه  عدد كبير من الفصائل الحميدية، وهذا يتوافق مع  رواية وتوصيف كامل الغزي لدور ابراهيم باشا السياسي وإصرار الزعامات المدنية في ديار بكر وحلب لفتح التحقيق معه، ووضع حد لنفوذه المتنامي. كما سيرد لاحقا في البحث.

اجتماع  منزل بوخا  في حلب  كان على الأرجح بداية الاتصال الجدي مع القناصل الأوربيين، ومؤشر على الخلاف بينه وبين الأتراك الاتحاديين الذي أقنعوا السلطان فيما بعد بإرساله إلى دمشق  لحماية طريق الحجاز وقوافل الحج. وكانت خطة الاتحاديين تكمن في سحب ابراهيم باشا من بلاده وعزله عن محيطه ومن ثم قتله. ويبدو أن سفيري فرنسا وانكلترا في الأستانة قد علموا بأن الاتحاديين يريدون التخلص من إبراهيم باشا، كونه أحد دعائم قوة السلطان عبد الحميد. فأرسلوا الخبر بالشيفرة إلى قنصليهما في دمشق. وعندما قصد إبراهيم باشا القنصلين كاشفوه بالسر، فأخذ احتياطه ولم يدخل إلى الوالي في دار الحكومة بدمشق وإلا معه قوة كبيرة. ومن ثم انسحب من المرجة بدمشق إلى شمال سورية. وتبين له في كل مرحلة من مراحل عودته أن الاتحاديين خططوا للقضاء عليه. فخاض معارك صغيرة في طريق العودة. في انتظار معركته الحاسمة مع الاتحاديين, وبالتالي المواجهة الدامية مع قوة الدولة التركية الواقعة في قبضة الاتحاد والترقي. لذلك أخذ المزيد من الحيطة وعاد بأدراجه وقواته إلى حلب, فإلى مدينة ويران شهر. وتخلص من الفخ الذي نصب له خارج أرضه ووسطه الاجتماعي.

في حين تشير مصادر أخرى أن إبراهيم باشا أراد احتلال دمشق بالفعل لمقاومة الاتحاديين من بلاد الشام، ودعم سلطة السلطان عبد الحميد بمؤازرة أهالي دمشق والعرب عموما. وهو لم يعترف أصلا بسلطة الاتحاديين وأراد أن تثور كل سوريا عليهم:” في تموز 1908 وضعت ثورة تركيا الفتاة نهاية لحكم عبد الحميد، فما كان من إبراهيم باشا إلا أن ثار ورفض الاعتراف بالنظام الجديد، وأعلن استقلاله وحاول تحريض سوريا كلها على الثورة لصالح السلطان وضد تركيا الفتاة على ما يبدو. غير أن عمليات عسكرية وافية بالغرض قام بها الجيش التركي أدت إلى إلحاق الهزيمة بإبراهيم”(23)

  • نهاية إبراهيم باشا

زحف الاتحاديون الأتراك بجيش كبير على مناطق الملان  ودمروا ويران شهر العاصمة، واستولوا على الحوانيت وعلى جزء من أموال إبراهيم باشا الخاصة. فانسحب هو وقسم من قواته  إلى الشرق. بهدف كسب الوقت والتحصن  في جبل سنجار لدى الأكراد الايزيدية، لحين استجماع قوته وحصول تغيرات في  المعادلات العسكرية والسياسية. ظل على أمل أن يأتيه الدعم  من فرنسا وبريطانيا العظمى ليتمكن من المقاومة والتقدم بمشروعه السياسي، ولكن لم يصله أي دعم فعلي. وانهار حلفه القبلي وتفكك, ولم يتمكن من مقاومة الجيوش التركية وضربات مدافعها المدمرة. مات في أجواء الانسحاب هذه مريضا عام 1908 في قرية صفيا شمال مدينة الحسكة الحالية، وهو على وشك الوصول إلى جبل سنجار. دفن تحت صخرة كبيرة بطريقة درامية. ومازال قبره موجودا في “تل بيزاري”  شرق قرية صفيا شمال مدينة الحسكة. استسلم أبناءه وألقت القوات التركية القبض عليهم وزجوا بهم في السجون، كما حكموا عليهم بالإعدام. وبصدد نهاية إبراهيم باشا الدرامية يبدي أحد معاصريه وهو مؤرخ حلب كامل الغزي رواية ووجهة نظر مختلفة لصعود وتنامي دور هذا القائد العسكري، ونظرا لأهميتها التوثيقية والتفسيرية سنورد مقاطع مطولة من روايته: “والرجل المذكور كان والده  توفي في حلب في حدود سنة 1295 هـ ودفن في زاوية الشيخ جاكير خارج باب النيرب، فخلفه ابنه هذا في المشيخة على العشيرة… وبعد أن صار شيخ العشيرة المذكورة اقتفى أثر آبائه وأجداده في شن الغارة على العشائر الكردية والعربية وأسرف بالنهب والسلب خصوصا في عشيرة قره كج، ولما كثر تشكي هذه العشائر منه أمسكته حكومة ولاية ديار بكر ونفته إلى سوارك وبقي فيها إلى حدود سنة 1297, وفيها استغاث بوالي حلب جميل باشا، وقدم له تقدمة جزيلة فسعى باستقدامه إلى حلب, فحضر إليها ومعه الخيول المطهمة العربية هدية خص بها الوالي المشار إليه فشفع به عند السلطان عبد الحميد وصدر العفو عنه وعاد إلى وطنه ويران شهر.

ولما تألفت الكتائب الحميدية من سكان البوادي مضاهاة لكتائب القوزاق في دولة روسية جعل إبراهيم آغا مقدم مائة ثم مقدم ألف فأمير لواء ومن ذلك الوقت أصبح يدعى إبراهيم باشا وقد كثرت أتباعه وشيعته واستقدم إلى الآستانة لعرض كتيبته فشخص إليها مع عدد وافر من عشيرته الجند الحميدي البالغ حد النهاية بحسن البزة والرونق، وقدم إلى السلطان عبد الحميد الخيول العربية والسمن العربي ما جعله يعتقد انه من خواص محبيه ومواليه واتصل بوالدة السلطان وقدم لها مبالغ طائلة فسرت منه أيضا ودعته بقولها أنت ابني وأحسن إليها السلطان بالأوسمة العظيمة… ثم عاد إلى وطنه فازدادت سطوته وصارت أتباعه تشن الغارة على العشائر المجاورة له والقرى التي هي من أعمال أورفا وديار بكر حتى خرب الكثير منها بسبب جلاء أهله عنه. وضرب على القوافل والكروان التي تمر من تلك النواحي ضريبة من المال تدفع إليه وإلا سلط أتباعه عليها وانتهبوها. فضج أهل تلك الجهات من جوره وواصلوا الشكايات عليه لحكوماتهم مدة طويلة فلم يجدهم ذلك نفعا لأن الولاة لكانوا لا يجسرون الإيقاع به لعلمهم التفات السلطان إليه.” (24)

 نستنتج هنا إن المؤرخ الغزي متحامل على إبراهيم باشا, فهو يميل إلى التيار المدني المتحمس إلى الاتحاد والترقي ويبدو أنه من المستاءين من الفصائل الحميدية. ويؤكد على الشكوى ضده: “ثم شرع الناس يتشكون منه لذات السلطان على لسان البرق مخاطبين إياه بلهجة عنيفة غير مبالين على ما كان عليه من شدة وجبروت، وتجهز منهم جماعة من أهل الثراء وسافروا إلى الآستانة بقصد التظلم من أعمال هذا الرجل وصرفوا على نوال غايتهم المبالغ الوفيرة والأعوام العديدة فاخفق سعيهم وعادوا خائبين.

وكان هذا الرجل لا يفتر شهرا واحدا عن تقديم الهدايا الى السلطان ووالدته وكبار جواسيسه ومطبخه واصطبله، يقدم الى السلطان ووالدته وبعض جواسيسه النقود الكثيرة، والى المطبخ صناديق السمن، والى الاصطبل الخيول الأصايل، وبهذه الواسطة كان السلطان لا يسمع فيه وشاية ولا يصغي لشكوى أحد منه”.(25)

تبدو رواية الغزي أقرب الى المرويات العامة والقصص الشعبية، فمن النص نفسه يظهر أن ابراهيم باشا كان ممول السلطان وبالتالي احد أركان حكمه، إذا أخذنا قوته العسكرية والاقتصادية بعين الاعتبار. يواصل الغزي روايته وهي على ما يبدو رواية حلبية بامتياز ليصل الى نقطة أن اضطر السلطان عبد الحميد وتحت ضغط المعارضين لقوة ونفوذ ابراهيم باشا أن يشكل لجنة تحقيق معه: “هاج الناس وماجوا في ولاية ديار بكر وحلب وأخذوا يوالون فيه الرسائل البرقية المشتملة على أشد العبارات التي تخاطب بها ذلك السلطان العظيم، وقد ساعدهم والي حلب ووالي دياربكر وأيدا شكاويهم وجعلاها مصبوغة بصبغة سياسية وحينئذ خشي السلطان عاقبة الإغضاء عنه إلى ذلك الحد، فأصدر إرادته بتأليف لجنة من عدة أشخاص للفحص عن أحوال هذا الشخص على ان يكون محل اجتماع هذه اللجنة مدينة ديار بكر, وان يكون ثلاثة أشخاص من هذه اللجنة من مدينة حلب وشخص من مدينة حماه، وآخر من أورفا وبقية الأعضاء من دياربكر وواليها رئيسها” (26)

يبين الغزي بان هذه اللجنة  قد عملت زهاء ستة أشهر ولم تتمكن من استجواب ابراهيم باشا

لأنه اعتذر عن مقابلتها. وينتقل في روايته ليصف  المرحلة الأخيرة من دوره: ” ثم في شعبان هذه السنة (27) أصدر السلطان إرادته باشخاص إبراهيم باشا المذكور الى الحجاز لينضم الى الجنود السلطانية المخيمة هناك ويعاونهم على ردع قبيلة عوف وهوازن وغيرها من القبائل العربية التي قامت تعارض الدولة في مد السكة الحديدية من المدينة المنورة الى مكة المكرمة

فامتثل ابراهيم الأمر ونهض من محله ويران شهر وقصد الحجاز من طريق حلب فوصل إليها في بضعة أيام، ونزل هو وعساكره الحميدية في الميدان الأخضر تحت خيام قدمت لهم مع الأطعمة والعلف من قبل الثكنة العسكرية. وقد استقبله الوالي والقائد العسكري واحتفلت الحكومة بقدومه احتفالا باهرا، وبعد أن بقي في حلب عدة أيام بارحها الى جهة دمشق على قطار السكة الحديدية. وما كاد يستقر في دمشق قراره إلا وحدث الانقلاب ونودي بالدستور. فارتاع ابراهيم باشا من ذلك وخاف أن يلقى القبض عليه لما يعلمه من نفسه بأنه أول من يستحق العقوبة والتنكيل على سابق أعماله. فأظهر للمشير في دمشق بأنه يريد الرجوع الى حلب ليحضر بقية جنوده وقبل أن يأذن له المشير بالرجوع الى حلب نهض من دمشق في الليل وكر راجعا الى وطنه من طريق حلب. إلا انه لم يدخلها بل توجه الى جهة ويران شهر من خارج حلب، وحينما تحققت الحكومة هربه أرسلت في طلبه الجنود من حلب يقتفون أثره فلم يدركوه إلا في جهات ماردين معتصما في جبل هناك فشددوا عليه الحصار مدة شهر…” (28)

على الرغم من اضطراب وعدم تماسك رواية الغزي هذه فإنها تعبر عن وجهة نظر أخرى في الأحداث التي تبدو سياسية بامتياز، وأنها تؤكد من جديد على أن إبراهيم باشا كان صاحب نفوذ عسكري وسياسي, وان ولاة حلب ودياربكر كانوا يخشونه، كونه كان مواليا تماما للسلطان عبد الحميد ومعاديا للاتحاد والترقي ولذلك خسر موقعه السياسي عندما انتهى حكم السلطان عبد الحميد، وتبخرت أحلامه وطموحاته السياسية، وخاصة  في ضم مدينة حلب الحاضرة الاسترتيجية الى منطقة نفوذه.

يختتم الغزي روايته بالحديث عن بعض ايجابيات ابراهيم باشا بعد موته مؤكدا على الرواية التي تشير الى تملكه خزينة أسطورية من الأموال والذهب:

“والمروي عن هذا الرجل انه كان يوجد عنده نحو مليونين من الليرات وأنه عمل نفقا خفيا في الأرض وكنزها فيه وان المعمار الذي عمل له هذا النفق قتله حالما فرغ من هذا العمل كيلا يخبر عنه وقيل أن هذا النفق لا يدري مكانه سوى ولده الكبير والله أعلم. على كل حال فان ابراهيم باشا كان على جانب عظيم من السخاء والدهاء والشجاعة يتكلم باللغة الكردية التي هي لغة آباءه وأجداده وعشيرته وباللغة العربية التي هي لغة أمه وزوجته، وباللغة التركية التي هي لغة الدولة. ويذكر انه انشأ في سواريك (29) مكانا شبه تكية يطعم فيها الفقراء والمسافرون رحمه الله.” (30)

خلفت إبراهيم باشا زوجته القوية خنسة خانم. وقادت ما تبقى من الاتحاد القبلي الملي. أحسنت إدارة شؤون القبيلة من بعده واتصلت بالقناصل الأوربيين خاصة الفرنسي والبريطاني طالبة العون لإطلاق سراح أبناءها. لكن الاتحاديين سمموا عبد الحميد أكبر أبناء إبراهيم باشا. وتعرضت العائلة لمحنة كبيرة إلى أن تم الإفراج عن الصغار، أي من كان دون سن الثامنة عشرة، فأطلق سراح خليل بك أولا، الذي كان عمره 18 عاما سنة 1909، وبقي كل من محمود بك وإسماعيل بك في السجن. استطاع خليل بك ابن إبراهيم باشا أن يحسن وضعه الاجتماعي والسياسي فتزوج بنت عبد القادر باشا، وهو احد المقربين من الاتحاديين وكان كرديا متنفذا من ديار بكر. تمكن الرجل من التوسط لإطلاق سراح إخوته. لقد قادت خنسة خانم القبيلة حتى مطلع العشرينات من القرن الماضي. وقد بقي العديد من الوثائق والمراسلات من القادة الفرنسيين إليها تشير إلى بعض المسائل السياسية، وتهدف لتحسين العلاقة مع العائلة “مرفق صور عن بعضها نهاية البحث”. علما أن محمود بك المعروف ب “معمو” كان قد استلم قيادة القبيلة شكليا حوالي عام 1912م. استقر أفراد عائلته إبراهيم باشا والحاشية المتبقية في ويران شهر من جديد. حاول محمود بك النهوض بالاتحاد الملي عن طريق تحسين العلاقة مع الاتحاديين، لكن المحاولات باءت بالفشل. فقد كان الاتجاه الطوراني المعادي للأكراد يترسخ ويتمسك بزمام السلطة في استانبول يوما بعد آخر، لذلك كان الهدف الرئيسي هو التخلص من مراكز القوة الكردية ومنها قيادة الاتحاد القبلي الملي.

لاشك أن الاتحاد القبلي الملي قد مر بمرحلة ضعف اثر الأحداث والكوارث التي تعرضت لها. وكان موت إبراهيم باشا وتفكك جيشه ونهب خزينة أمواله كارثة في مقدمة هذه الأحداث. أخيرا تمكن معمو من لملمة أطراف القبيلة والنهوض بها ساعيا لإرضاء الاتحاديين المسيطرين على مقاليد السلطة الفعلية في استانبول. وثمة رواية تفيد بأن معمو دفع ثمن طائرتين للاتحاديين في سبيل كسب ثقتهم، وتأكيدا على الولاء للدولة،  شارك أبناء إبراهيم باشا في حرب البلقان بحوالي (1500) ألف وخمسمائة خيال، وتمكنوا بهذه القوة من تحرير مدينة أدرنة.

في الفترة نفسها كلفتهم حكومة استانبول بصد هجمات البدو من عنزة، خاصة  الغزوة الكبرى بقيادة ابن مجلات وابن كعيشيش، فتمكنوا من  إرجاعهم إلى ما وراء نهر الفرات.

لكن في السياق السياسي العام استنتج أبناء إبراهيم باشا أن الاتحاديين سيتخلصون منهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، لذلك وطدوا علاقاتهم مع الفرنسيين والانكليز. وقد طلب محمود بك من الميجر نويل أن يدعم زعامته على أكراد غرب كردستان كونهم كانوا جميعا من أتباع والده، إلا أنه لم يثق كثيرا بهذا التوصيف ولم يلبي هذا الطلب، وبالتالي شكك بقدرة محمود على قيادة القسم الغربي من كردستان. ومن الوثائق والمراسلات المتوافرة في أرشيف العائلة يظهر بجلاء مدى العلاقات والمراسلات والتنسيق بين ممثلي الدول الأوربية وبين أبناء إبراهيم باشا. ففي مراسلات الجنرال دولاموت إلى كل من خنسة خانم وولديها محمود وخليل بك، يبدي الجنرال تعاطفه مع العائلة ويشكر جهودها في ضبط الأمن ومؤازرة القوات الفرنسية في مواقع وأحداث مختلفة، كما هو واضح في عدد من الوثائق المرفقة.

إن مضمون هذه الوثائق تفيد بان درجة التنسيق وصلت بينهم وبين القادة الفرنسيين في سورية إلى مستوى سياسي وعسكري متقدم، وثمة رواية تفيد بأن الفرنسيين وعدوا أبناء إبراهيم باشا بإنشاء دولة كردية من أورفا حتى الموصل عاصمتها ويران شهر. إلا انه لا يتوافر من الدلائل والنصوص ما يؤكد ويوثق ذلك سواء على شكل وعد أو خطة عمل. في حين تشير المصادر التاريخية والوثائق الدبلوماسية أن بريطانيا كانت ترشح محمود بك لرئاسة دولة كردستان المزمع تشكيلها: “ولقد برز عدد من المرشحين للقيام بدور رئيس الدولة الكردية الغامضة. وهؤلاء كانوا باستثناء شريف باشا ـ الذي لم توله بريطانيا الثقة ـ عبد القادر والبدرخانيون ووجه جديد هو زعيم اتحاد عشيرة الملي القوية محمود بك ابن إبراهيم باشا الذي كان شهيرا حين أودعته الأتراك السجن أثناء الحرب. وفي أعقاب الحرب، قامت السلطات التركية في جنوب شرق أناضول، الذي كان يقع تحت نفوذ الاتحاديين، بإطلاق سراح محمود من السجن ووعدته بفرض سلطته على معظم أكراد الملي الذين عاشوا إلى الغرب من الفرات، فيما إذا قام بتنظيم المقاومة ضد الانكليز وطردهم من منطقة أورمية. إلا أن محمود بك لم يبد استعدادا للقيام بهذه المهمة الملقاة على عاتقه. وفضلا عن ذلك أقام علاقات مع الانكليز وبدأ يبرز بصفته مرشحا لمنصب فرضي لحاكم كردستان موحدة، لكنه لم يفلح هنا أيضا وبالتحديد بحكم افتراضية هذا الإجراء كله.” (31) وثمة مؤشرات أخرى على جدية مقترح تسليم رئاسة كردستان لمحمود بك: “أن خبير بريطاني وعلى الأرجح هو الميجر نويل نفسه قد اختار عام 1919  ابن إبراهيم باشا محمود بك بصفته أحد أنسب مرشحين اثنين لحكم المملكة الكردية التابعة التي كان البريطانيون ينوون تأسيسها آنذاك.”(32)

وعلى الأرجح اتفق الفرنسيون مع الاتحاديين بعد انتهاء الحرب الأولى وحدثت ترتيبات محددة، فأبرمت صفقات سياسية كبرى على صعيد المنطقة والعالم، وتخلت بموجبها كل من فرنسا وانكلترا عن أبناء إبراهيم باشا. وبالتالي لم يعد يلزمهم دعم وفعالية الأكراد في المنطقة.

  • تحولات الحلف القبلي الملي

بعد الحرب الأولى شن الاتحاديون الأتراك حملة جديدة على الاتحاد الملي بزعامة أبناء إبراهيم باشا ودمروا مدينة ويران شهر، فانسحبوا شرقا إلى مدينة رأس العين ورافقهم  قسم من المقربين، واعتمد أبناء إبراهيم باشا بعد ذلك على الجناح العربي في الحلف الملي. وتبدلت علاقاتهم الاجتماعية والسياسية وكذلك تحالفاتهم عاما بعد آخر، كما تزاوجوا من عرب المنطقة، وابتعدوا تدريجيا عن الثقافة والسياسات الكردية لدرجة أن نسوا اللغة الكردية، خاصة في العهد الفرنسيين الذين على ما يبدو كانوا مشجعين لهذا التوجه. وما يؤكد على  ما ذكرناه، مقولة المؤرخ أحمد وصفي زكريا بهذا الخصوص: “ولكن بعد وفاة الباشا المذكور، واحتلال الفرنسيين، وتقسيم المناطق بين العشائر، خفت العداوة بين القبائل بالتدريج إلى أن زالت بتاتا، وانقلبت إلى صداقة ومصاهرة قويتين، بزواج الشيخ ميزر عبد المحسن رئيس شمر الزور بابنة خليل بك ابن إبراهيم باشا, وحاربت الملية عنزة الجزيرة أيضا، ونعني بها عشيرة الفدعان، وكانت الوقائع بينها سجالا، وهاجموا مرة شاشان رأس العين، كما أن أبناء إبراهيم باشا مشوا عام 1921مع الحملة الفرنسية التي يقودها الزعيم دبيوفر في هجومها على قرى خشام والبصيرة وضربها عشيرتي العنابزة والبكير من العقيدات, وقد انقسمت العشيرة الملية بعد تحديد الحدود إلى قسمين. فبعضها داخل الحدود التركية في رئاسة عبد الرحمن بك، وبعضهم داخل الحدود الشامية برئاسة محمود بك…وكان يقطن محمود بك في قصره الذي شيده في ويران شهر، وبعد أن انتقل إلى قضاء رأس العين، ظل يتبدى في مضربه العظيم ذي العواميد الستة عشرة إلى أن شاخ وهرم وتوفي في صيف عام 1945م … ولما توفي محمود بك استقرت الرئاسة إلى خليل بك إلا أن خليل بك قد شغل عن العشيرة بالنيابة في البرلمان السوري، فصار يعاونه في إدارة العشيرة الباقية في قضاء رأس العين ابنه محمد علي بك، وهو شاب ذكي همام، متعلم يجيد اللغة الفرنسية كإجادته التركية فضلا عن العربية.” (33)

أخيرا يمكن القول بأن  تاريخ الاتحاد الملي والأحداث السياسية التي  مروا بها  شكلت أحد الحالات النمطية للحركات القبلية السياسية ضمن الإمبراطورية العثمانية، وأعطت عبر تاريخها  نموذجا للعلاقة المتنافرة بين القبيلة والدولة من جهة وبين القوميات غير التركية والسلطنة العثمانية التركية من جهة أخرى.

هذا وقد اعتبر بيير روندو بأن الاتحاد القبلي الملي هي أحد الحالات والمحاولات الكبرى لتوحيد الأكراد على أساس قومي على الرغم من بداياتها القبلية، وبخاصة في مطلع القرن العشرين: “هذه المحاولة التوحيدية فريدة من نوعها ومثيرة من جوانب عديدة… لأنها ظهرت في أقصى منطقة من كردستان بين ديار بكر وحلب. خارج المراكز الاعتيادية للحركة الكردية. أضف إلى ذلك قيام قبيلة ملي بها وهي نفسها عبارة عن اتحاد عشائر ومزيج لعناصر كثيرة التباين، وحيث الكثير منها ليس من أصل كردي بل عربي”.(34)

لقد كانت نزعة الاستقلال والتوحيد هذه ذات محتوى قبلي في الأساس ثم تطورت وارتقت  نحو صيغة قومية أثنية مبسطة لاحقا. لقد كانت نزعة الاستقلال لدى الملية بزعامة آل كلش عبدي تنبع من مصالح الاتحاد الملي وأخذت نسغها من الشعور القومي، فالتمايز عن الأتراك، ورغبة في امتلاك السلطة والسيطرة على طرق التجارة والأراضي والمراعي الشاسعة وتنمية الثروة الحيوانية والتأسيس لأعمال المهن اليدوية والحرف. وربما لهذه الأسباب الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية ظلت القيادة القبلية الملية متسامحة دينيا وحافظت على المسيحيين أيام المحن والفتن والفوضى، فلم تتأثر بالأفكار الداعية لتصفية واضطهاد المسيحيين. هذا ولم تلتقي نزعة الاستقلال الملية مع الاتجاه القومي التحرري الكردي إلا في فترة متأخرة. ومع ذلك ظل موقف أبناء إبراهيم باشا من المسالة الكردية في سورية غير متبلورا خاصة بعد تثبيت الحدود بين تركيا ودولة الانتداب الفرنسية. وقد انحاز كل من محمود وخليل بك بشكل صريح إلى الاتجاه الوطني السوري وابتعدا عن الحركة القومية الكردية ذات النزعة الاستقلالية في الجزيرة السورية، واتضح ذلك في أحداث عام 1939، إذ كانا يميلان إلى تثبيت سلطة دمشق المركزية، على حساب توسيع صلاحيات السلطة المحلية. والتقوا بذلك مع موقف القبائل العربية، في حين كان رأي أغلب القبائل الكردية والعائلات والطوائف المسيحية تميل بل تدعوا إلى سلطة محلية تحت وصاية فرنسية.

هذا ويعتبر كل من محمود وخليل بك من مؤسسي البرلمان السوري، وقد حصل خليل بك على نوت الشرف السوري تقديرا لخدماته الوطنية. إلا أن الأحداث والتطورات السياسية في العقود الأخيرة أظهرت بأن أحفاد إبراهيم باشا قد تم إقصاءهم  عن الحياة السياسية، وتم الاستيلاء على مئات الألوف من الدونمات من أراضيهم نتيجة لقوانين الإصلاح الزراعي. وتم اضطهادهم قوميا في السنوات الأخيرة على أساس أنهم أيضا من الزعماء الأكراد، لدرجة أن قتل أحد أبنائهم على أساس انتمائهم القومي الكردي، في مدينة رأس العين في الأحداث الأخيرة عام 2004.

الهوامش

1- أحمد عثمان أبو بكر. أكراد الملي وإبراهيم باشا, بغداد 1973 ـ صفحة 5

2- أيوب كران. عشيرة الملان الاتحادية. باللغة التركية. ترجمة: هوزان رمضان. مخطوط بالعربية, ص26

 3-  مارك سايكس. القبائل الكردية في الإمبراطورية العثمانية. باللغة الانكليزية. ترجمة :أ.د.خليل عيسى مراد, تقديم ومراجعة: أ.د. عبد الفتاح بوتاني, دار الزمان, دمشق 2007, الصفحات 73-77

4- أحمد وصفي زكريا. عشائر الشام، دار الفكر. دمشق – 1983، ج2، ص 664

5-  أبو بكر- مرجع سابق, ص5

6- جنكيز أورهونلو، إسكان العشائر في عهد الإمبراطورية العثمانية. باللغة التركية، ترجمة: فاروق مصطفى. دمشق 2005، ص 78 وص103

7- جنكيز، المصدر السابق، ص134

8- عبد القادر عياش. حضارة وادي الفرات، مدن فراتية. دمشق ـ 1989، ص324

9- للتفاصيل انظر الوثاق العثمانية المرفقة: حول غزو قبيلة شمر البدوية لهذه المناطق مطلع القرن العشرين. الوثائق مترجمة عن التركية، وهي صور مستنسخة عن أرشيف العائلة.

10- وهو ما يمكن تسميته بإبراهيم باشا الأول، منعا للالتباس.

11-  محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، ترجمة: محمد علي عوني،

    طبعة لبنان ـ 1985 ، ص 222

12-  محمد أمين زكي, المرجع السابق. ص 223. وأيوب كران، مرجع سابق . ص 65

13- أيوب كران، مصدر سابق ، ص66

14- محمد أمين زكي, مرجع السابق. ص 224

15- انظر صورة عن الفرمان العثماني المرفق.

16- مارتن فان بروينسن، الآغا والشيخ والدولة, البنى الاجتماعية والسياسية لكردستان، باللغة الانكليزية، ترجمة: امجد حسين، بغداد, أربيل، بيروت 2007، ج1، صفحة 404

17- أيوب قران، مرجع سابق، ص 77

18- حسن ادي كورد،  مدينة ويران شهر.  باللغة التركية. مرسين ـ بدون تاريخ. ص 68

19- جريدة “كردستان” أول جريدة ناطقة باللغة الكردية، صدر العدد الأول منها في القاهرة‘ في22نيسان عام 1898. أصدرها مدحت مقداد بدرخان وكانت تمثل الاتجاه القومي الكردي الداعي إلى التحرر عن العثمانيين.

20- ماجد محمد يونس زاخوي، الفرسان الحميدية. جامعة دهوك – كردستان العراق، 2008، ص 101

21- ايوب كران . مرجع سابق، نفس الصفحة، ص 77

22-  حوار مع محمد علي  حفيد إبراهيم باشا. مجلة لحوار. العدد 11 ـ 1996 , وكذلك حوار خاص مع شقيقه عبد الإله الباشا، بهدف استكمال وترميم معلومات هذا البحث.

23- مارتن فان برونيسن، الآغا والشيخ والدولة، مرجع سابق، ص 412

24- كامل ابن حسين بن محمد بن مصطفى البالي الحلبي الشهير بالغزي. نهر الذهب في تاريخ حلب، الجزء الثالث، المطبعة المارونية بحلب ـ 1926 , ص 480

25- الغزي. المرجع السابق، ص 482

26- الغزي. المرجع السابق، ص 482

27- ويصادف عام 1326 هجرية الموافق ميلادي 1908

28- الغزي ص 483

29- هي مدينة سويرك الحالية.

30 – الغزي، مرجع سابق,  ص484

31- م  س لازاريف، المسألة الكردية ( 1917-1923)، باللغة الروسية، ترجمة: د. عبدي حاجي. بيروت 1991، ص 115

 32- مارتن فان بروينسن، الآغا والشيخ والدولة, مرجع سابق ص 412

33- أحمد وصفي زكريا، مرجع سابق. ص666

34- بيير روندو، القبائل الكردية في سورية، باللغة الفرنسية. ترجمة: عز الدين الكردي، إعداد وتقديم: آزاد احمد علي. إصدار خاص. سورية ـ 2000، ص 60

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى