ثمة عوامل أدت إلى ابتعاد الشباب عن ممارسة دورهم الريادي في قيادة المجتمع، وبالتالي أدى إلى بروز طغيان الشيوخ على المشهد السياسي، الذين يقودون المجتمع عن طريق (الأحزاب) نيابة عن الشباب، حسب معرفتهم والتي تعود إلى ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، حيث لا تكنوقراط ولا وسائل التواصل الاجتماعي ولا معرفة قسم كبير منهم بـ (المؤسسات والعمل المؤسساتي)، وكذلك عدم معرفتهم الدبلوماسية وعلاقاتها المتشعبة، من حيث الأسلوب والأتكيت، كل هذا أدى إلى عدم بروز رؤية واضحة تجاه القضية الأساسية لتحقيق أهداف الشعب في نيل حقوقه القومية المشروعة وتثبيته دستورياً لدى النظام والمعارضة في سوريا الحالية والمستقبلية، نتيجة تشتتهم تبعاً للمصالح الشخصية تارةً وتنفيذاً لأجندات (الأخوة) ودول إقليمية تارةً أخرى. إن عزوف الشباب أدى إلى وصول بعض أشباه الأميين إلى قيادة بعض الأحزاب السياسية، مما أدى بهم إلى تفضيل ما تم ذكره.
إذا ظل استمرار الوضع على هذا المنوال، قد نصل إلى بيع القضية وفوات الفرص التي تأتي واحدة تلو أخرى، لعدم وجود قيادة جماعية كردية (مرجعية) تفكر وتخطط لمستقبل القضية ومستقبل أبنائنا النشء الذين سيكونون عرضة للتلوث الفكري كما هو ظاهر الحال، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتالي انعدام الثقة بين جيلي الشباب والشيوخ، وفوات أوان تداركه مع فوات الفرص التي كانت تأتي واحدة تلو أخرى، حينها لا ينفع الندم لا للسابقين ولا للاحقين.
مرد ما تم ذكره في ابتعاد الشباب عن ممارسة دورهم الأساسي في استلام دفة القيادة السياسية، الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية بدلاً عن الشيوخ الذين يحاولون تجميل أنفسهم بشتى الوسائل من خلال إطلالاتهم على شاشة مأجورة هنا وإقامة علاقات مشبوهة هناك باسم القضية وعلى حساب الشعب والقضية .
ولكن ما يهمنا هنا لماذا يعزف الشباب عن ممارسة السياسة؟
هناك عدة عوامل تؤدي بالشباب إلى النفور والعزوف عن ما يقع على عاتقهم:
– البطالة والفقر:
إن الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا منذ استقلالها حتى اللحظة، مع المعارضة الداخلية حينها، وإلى الآن، كانت تتعمد على إفقار المناطق ذات الخصوصية الكردية، بإهمالها من حيث الخدمات (الاقتصادية والثقافية)، بغية تهجير الفقراء منها إلى الداخل السوري، وهذا ما حصل للكرد في الكثير من الأحيان، وكانت آخرها موجة التهجير بعد عام 2004 نتيجة الانتفاضة الكردية.
وإن دراسة (محمد طلب هلال) المشؤومة أظهرت نتائجها السياسية والاجتماعية على الساحة الكردية جلياً، وما الإحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الحسكة إلا حلقة مكملة لتلك الدراسة، والتي تم بموجبه تجريد أكثر من (125) ألف مواطن كردي في عام 1962، مما أثقل كاهل المواطنين الكُـرد أضعاف مضاعفة في تحمل مصاعب الحياة الاقتصادية وتأمين لقمة العيش الكريم، مما اضطر الشباب للعمل لمساعدة الأهل تارةً ومنفرداً تارةً أخرى، لكسب لقمة عيشه، وبالتالي أثرت هذه العوامل سلباً على الشباب في التفكير والإبداع من الناحية السياسية والاجتماعية، لعدم امتلاكهم الوقت، ناهيك عن استنزاف وهدر طاقاتهم الجسدية والفكرية في مجال العمل، ولم تكن عملية نقل الغمر وزرعها في الوسط الكردي بعد إنشاء سد الفرات خطوة عشوائية، بل كانت مدروسة وممنهجة لتحقيق أهداف المرجوة منها .
– الجهل:
إن ما زرعته تلك الحكومات حتى ثمانينات القرن الماضي لا يمكن إزالته بسهولة ويُسر، فالنتائج كانت مزدوجة على الصعيدين الاقتصادي والثقافي، وبالتالي ترعرع في ظل تلك الحكومات جيل فقير مادياً وجاهل ثقافياً، وهذا ما كان تبتغيه حكومات المركز، بدءاً من الحكومة الاتحادية وانتهاءً بحكومة الحزب الواحد .
وإن هذا الجيل قد غرس ما تلقاه في صباه في الأجيال اللاحقة سواءً أكان مقصوداً أم بغير قصد، وإن جيلنا الحالي يقطف ثمار الجهل والنرجسية من تلك (الأشجار العارية) (القادة)، ولكن هذه الأشجار ما زالت تفكر بأنها الوحيدة وبإمكانها أن تبسط ظلها الوارف، وتستظل بظلها العصافير والبلابل المهاجرة .
هل فكر هؤلاء يوماً بأن الجيل الجديد يواكب العصر الحديث بتطوراته التكنولوجية، أم أن تفكيرهم لا يتجاوز في ممارسة السياسة (حسب الدور الموكول إليهم) من أجل أن يتبوأ مكانة خاصة في مواجهة الأحزاب الأخرى دون أن يفكروا بما يخدم القضية.
– الدور السلبي للأحزاب:
عندما ظهر أول حزب كردي في أواخر الخمسينات تفاءل الناس خيراً، وظن البعض منهم أن القضية الكردية في طريقها إلى الحل في أقرب فرصة مؤاتيه، ولكن سرعان ما تلاش هذا التفاؤل بفضل بعض جهابذة الأنانية، حيث قسموا الحزب إلى ثلاث أقسام أو ثلاثة أحزاب دفعة واحدة، فكانت أول رصاصة في صدر القضية الكردية في سوريا، وتتالت وابل الرصاص انشطاريا إلى يومنا هذا، إن هذه الآثار السلبية قد أثرت على نفسية الشباب (كما حال لسان أغلبهم، لا جدوى من هكذا أحزاب) .
وإن كلمة الحزب أو السياسة كانت مرادفة للاعتقال والتعذيب، وهذا شكل هاجساً إضافياً على عاتق الشباب، ولا ننكر دور القيادات في إبعاد أولادهم عن الانخراط في مجال السياسة.
وإن غياب دور الشباب في برامج اغلب الأحزاب السياسية الكردية في إيجاد وسائل لأنشطة تفاعلية لخدمة الشباب والمجتمع، مما أولد لديهم فكرة مسبقة هي الإهمال المتعمد من قبل الشيوخ أو (الطغاة) حسب توصيفهم للقادة.
– الإهمال المتعمد من الشباب:
كل العوامل المذكورة والمؤثرة على وضع الشباب لا تبرر في عدم القيام بواجبهم تجاه قضاياهم الأساسية في نيل حقوق شغبهم القومية المشروعة وتثبته دستورياً وفقاً للعهود والمواثيق الدولية، وإن هؤلاء الشباب هم أمل الأمة وقادتها، فبإهمالهم لقضاياهم وقضية الشعب، سيتم إهمالهم من قبل الجميع أفراداً وجماعات.
وبما أننا في عصر العولمة والسرعة فبإمكان الشباب القيام بأدوارهم وهم خلف الشاشات، دون أن يكلفوا أنفسهم العناء، فعندما يحين موعد الانتخابات، فما على الشباب إلا أن يتقدموا للترشيح والانتخاب (حزبياً كان أم عاماً للبلديات وغيرها)، وسحب البساط من تحت أقدام الشيوخ وطغيانهم، إن لم نفعل ذلك فنحن شركاء في ايصالهم إلى ما هم عليه، وبالتالي لا يحق لنا اتهامهم بالطغيان لأننا نحن من أفسحنا المجال لهم وأوصلنا ما هم عليهم ليتحكموا بمصائرنا ويزدادوا طغياننا علينا .
أخيراً:
فما على القادة أن يفكروا بما يخدم القضية من خلال تشجيع و تفعيل دور الشباب في برامج أحزابهم، مثل الأنشطة (الرياضية، الثقافية، الخدمية، الاقتصادية، الاجتماعية، الإعلامية والبيئية …الخ)، شريطة عدم تلقينهم أجندات حزبية، لأن هؤلاء الشباب مع مرور الزمن واكتسابهم الخبرات سيتحولون إلى كتلة من النشاط في كافة مجالات الحياة، ومنها مستقبل الكُـرد سياسياً في ضوء معطيات المرحلة المقبلة.