معدلات الفقر والحرمان في سوريا 93.7%… استخدام ممنهج لحرمان الناس كأداة حرب
جريدة الوحـدة*
بالرغم من تراجع حدة العنف المسلح مؤخراً في بديات 2019، إلا أن مقومات العنف مستمرة مع تراكم الخسائر البشرية والمادية والمؤسسية وتفاقم الظلم والاحتياجات الإنسانية. لقد حول النزاع سوريا إلى بلد يعاني سكانه من أزمة غذائية حادة في مجالات التوفر والنفاذ والاستخدام والاستدامة وعدالة التوزيع.
يعد انتهاك حق الإنسان في الغذاء أحد الجوانب المظلمة للنزاع، فقد استخدم حرمان الناس من الغذاء بشكل ممنهج كأداة من أدوات الحرب من قبل القوى المتنازعة. فالحق في الغذاء، بالإضافة لكونه حاجة أساسية من حاجات الإنسان، فهو أساس لحفظ مقومات الحياة الكريمة. حيث تنص شرعة حقوق الإنسان على أن حق الإنسان بالغذاء الكافي والصحي التزام يجب توفيره للمواطنين كافة، وأقرت الشرعة بأهمية توفر البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الملائمة كأساس جوهري لتوفير الأمن الغذائي والحد من الفقر والحرمان.
وفق هذا التقييم صدر تقريرٌ عن المركز السوري لبحوث السياسات بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت، في أيار 2019، بعنوان «الأمن الغذائي والنزاع في سوريا»، بناءً على مسح حالة السكان وبحوثٍ عن تقييم الأداء الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك على نقاشات وورشات عمل عديدة خلال عامي 2016-2017، وبالاستفادة من تقارير أخرى.
تضمن التقرير مقارنات بين مؤشرات ما قبل النزاع وأثنائه، أي قبل عام 2011 وبعده، بقراءات علمية تحليلية.
أفاد التقرير: «شكل النزاع كارثة، حيث تراجع دليل الأمن الغذائي بشكل حاد بحوالي 34% بين عامي 2010 و 2014… وتراجع بحوالي 8% بين عامي 2014 و 2018…»
وعن الناتج المحلي الزراعي في سوريا أكد التقرير أنه تدهور إلى النصف مقارنةً بالعام 2010، رغم أن القطاع الزراعي لعب دور شبكة الحماية الاقتصادية خلال النزاع، حيث وفر فرصاً للعمل ومصادراً للغذاء وسط ظروف مأساوية، في وقتٍ أدى فيه النزاع لتدمير كبير في الثروة المادية الزراعية، بما فيها الموارد الطبيعية والبنية التحتية والتجهيزات والمعدات والثروة الحيوانية، من خلال الاستهداف المباشر بالقصف والنهب والتخريب أو غير المباشر من خلال التعديات على الأراضي والغابات أو ندرة مستلزمات الإنتاج وارتفاع تكاليفها كالطاقة والأسمدة والأعلاف. إذ انخفض إنتاج محصول القمح من /3083/ ألف طن عام 2010 إلى /2024/ ألف طن عام 2014، وكان محصولي القطن والشوندر من أبرز ضحايا النزاع، فقد انهار. كما انخفضت أعداد الأغنام من /18/ مليون في العام 2011 إلى /8/ مليون تقديرياً في العام 2018، وكذلك بقية الماشية والدواجن. وتراجع إنتاج الطاقة الكهربائية – التي لها دور كبير في الأمن الغذائي- بحوالي 59% في عام 2016 مقارنةً بالعام 2010.
ومن مؤشرات التراجع أيضاً، قال التقرير: «تراجعت العمالة الزراعية من /724/ ألف عام 2010 إلى حوالي /200/ ألف عام 2014، ثم ارتفعت تدريجياً لتصل في عام 2018 إلى حوالي نصف عدد المشتغلين في القطاع للعام 2010».
وبالنسبة لمياه الشرب، استنتج التقرير تراجع إمكانية تأمين مياه شرب نظيفة من 89.1% قبل النزاع إلى 32.6% أثناء النزاع.
وأشار، من الناحية المؤسسية تشكلت على الأرض عدة منظومات التي حوَّلت الموارد لصالح القوى المسيطرة، واستباحة الحق في الحماية والغذاء والملكية، واستهداف كل طرف تدمير مقومات الأمن الغذائي «للآخر». إذ تعد سياسة الحصار الأخطر، حيث يتم تجويع السكان من خلال «العقوبات الجماعية» ضدهم؛ فالاستبداد والإقصاء والتهميش والتمييز بين السكان واستخدام العنف المسلح يسقط الحق في الغذاء ويؤدي إلى تدهور مقومات السيادة الغذائية؛ حيث ارتبط الانخراط في الأعمال غير القانونية مثل التهريب والسرقة والإتاوات والنهب والمشاركة في القتال مع تدهور الأمن الغذائي. وقد «تغيرت هيكلية العلاقات والسلطة والثروة في المجتمع، حيث يتم استغلال تفقير المجتمع وتدمير مقومات العيش من قبل قوى التسلط، وبالمقابل قدمت هذه القوى حوافز للانخراط في العنف والولاء لها، إن هذه البنية الجديدة للاقتصاد أفرزت أمراء حرب ورأسمالية محاسيب جديدة عابرة للحدود».
ارتفعت معدلات الفقر والحرمان –حسب التقرير- إلى مستويات خطيرة وصلت إلى 93.7% في نهاية عام 2017 بالاستناد إلى خط الفقر الكلي للأسرة الواحدة (الذي يساوي بالمتوسط 181 ألف ليرة سورية شهرياً) بينما بلغ الفقر المدقع إلى 59.1% في نفس العام؛ حيث أن تكاليف المعيشة استمرت بالازدياد في ظل تراجع مصادر الدخل وانخفاض الأجور وتراجع فرص العمل؛ وقد «تضخم وسطي الأسعار أكثر من ثمانية أضعاف خلال الفترة 2010-2017، في حين وصل وسطي الأجور الشهرية للعاملين بأجر إلى /29700/ ليرة سورية في العام 2017، إلا أن الأجر الحقيقي لا يشكل أكثر من 24% من الأجر الحقيقي لعام 2010».
كما قدّم التقرير جملة مقترحات لمواجهة الحرمان الغذائي، من خلال توفر بيئة اقتصادية واجتماعية وسياسية ملائمة لتكون أساساً يُمكن الدولة والمجتمع من تحقيق الأمن الغذائي الضروري للمواطنين، الذي يرتبط بعدة مستويات (المستوى الاقتصادي الوطني الكلي والمحلي والأسري). إضافةً إلى توفر البيئة المناسبة بالوصول إلى الديمقراطية بوظائفها التي تضمن الحريات العامة والخاصة والحقوق المدنية والسياسية وتحمي حقوق الإنسان.
وأكد على «أن الأولوية القصوى هي وقف وتفكيك المؤسسات المتسلطة من خلال عملية تحول جذرية تضمن مشاركة مجتمعية واسعة لبناء مؤسسات تشاركية وكفؤة ومساءلة، وتعمل على معالجة مظلوميات النزاع وتؤسس لاحترام الحقوق وتضمن الأمن الإنساني. بالإضافة إلى بناء الاقتصاد المنتج في مواجهة اقتصاديات العنف، من خلال التحفيز الإيجابي للعمل المنتج وتوسيع المشاركة الاقتصادية غير المبنية على الريع والاستغلال وهدر الموارد، والتركيز على تحفيز الريف والإنتاج الزراعي والعمل على المصالحة المجتمعية والاستثمار في بناء الثقة والتضامن بين الأفراد كجزء أساسي من معالجة مسببات الحرمان الغذائي».
يمكنكم الحصول على نسخة إلكترونية من التقرير عبر الرابط: