القسم العاممختارات

سوريا في دوامة العنف والكراهية… تفاهمات أمريكية- روسية منتظرة

الافتتاحية*

لهيب سوريا لا يزال مستعراً، وقوده أرواح أبنائها وبنيانها وثرواتها، فلم تُرفع بَعد عن جسدها سكاكين تقطيعه إلى أشلاء، من انقسام مجتمعي وانشطار ديمغرافي، في ظل دوامة العنف والكراهية والتمسك بالخيار الأمني- العسكري وبالجهاد الإرهابي تحت يافطة (الدين والثورة)، في وقتٍ نحن بأمس الحاجة فيه إلى تفعيل دور العقلاء والوطنيين الغيورين على مصلحة الشعب والبلد عامةً.

وإذا كان خطر التنظيمات الإرهابية من داعش والنصرة وغيرها لا يزال قائماً ودورها مؤثراً على الساحة السورية، إلا أن مصير البلد إلى حدٍ بعيد مرهونٌ لإرادات قوى دولية وإقليمية تتخالف وتتناقض في المصالح والرؤى، فأزمة سوريا واقعة تحت رحمة صراعاتها المختلفة، التي تُكبل وتُحجم دور وفعالية الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص غير بيدرسون.

وإذا كان مسار أستانه (روسيا- تركيا- إيران) يحتضر على أبواب إدلب المكتظة بمسلحي القاعدة وجماعات إسلامية متطرفة أخرى، لأسباب عديدة، منها ميدانية وإنسانية وأخرى متصلة بتعقيدات علاقات تركيا بكلٍ من أمريكا وروسيا أو بملف إيران النووي ونفوذه داخل سوريا… فإن مساراً آخر – إن صح التعبير- بدأ يتبلور مع انعقاد اجتماعات الثلاثي (أمريكا- روسيا- إسرائيل) والتي بدأت أولاً في ضيافة بنيامين نتنياهو بمدينة القدس، يومي 24-25 حزيران 2019، وضمّت جون بولتون – مستشار الأمن القومي الأميركي، و نيكولاي باتروشيف – أمين مجلس الأمن القومي الروسي، و مئير بن شبات – مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، حيث أن نقطة التقاء استراتيجيتي القوتين العظميتين الأمريكية والروسية ترتكز في حماية أمن ومصالح إسرائيل بالمنطقة وإعطائهما الأولوية، على ضوء علاقات عميقة أنشأتها إسرائيل مع الطرفين خلال السنوات الأخيرة.

بطبيعة الحال، ليس بتلك السهولة شطب أدوار ونفوذ قوى إقليمية في المشهد السوري نهائياً، بينما سيكون لتفاهماتٍ أمريكية – روسية منتظرة حول سوريا الدور الأبرز والأثر الأكبر في تذليل أزمتها وإيجاد حلٍ سياسي لها، تتحلّل في ظله قوى الإرهاب والاستبداد رويداً رويداً.

رغم سلب الإرادة والضعف الذي أصاب السوريين عموماً، يبقى لدورهم وتوجهاتهم الوطنية البنَّاءة الأهمية القصوى، لأنهم أصحاب البلد والأرض والجغرافيا، لهم فيها من تاريخ وعيش مشترك ومصالح أقوى من أية أجندات أخرى، مهما طالت محنتهم؛ وفي هذا المضمار أثبتت قوات «قسد» ومجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أنها النموذج الأفضل حالياً في دحر الإرهاب والمساهمة في بناء سوريا جديدة، وهي تحظى باهتمامٍ ودعمٍ دولي، فلابد أن تكون جزءاً حيوياً في حل أزمة سوريا ورسم مستقبلها، فلا يمكن تجاهلها أو إقصاءها.

إن العقبة الكأداء أمام السير نحو حلّ الأزمة السورية هي وجود القوى الإرهابية في مناطق شمال وشمال غرب سوريا وكذلك الاحتلال التركي لبعضها، حيث باتت تلك المناطق مرتعاً للجريمة واللصوصية وخالية من أي نشاط سياسي وطني أو فعالية مجتمعية مدنية، حيث قمع الحريات وفرض فتاوى متعصبة هو السائد.

ولابد من الإشارة إلى أهمية تفعيل الحوار الوطني بين مختلف أطياف ومكونات سوريا في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، عسى أن نجد السبيل لوضع حدٍ لنزيف الدم والدمار اليوم قبل الغد.

* جريدة الوحـدة – العدد 309 – حزيران 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى