ديدن الكُـرد في سوريا وأمانيهم كان ولا يزال وحـدة صفوف حركتهم السياسية، لما عانوا في تاريخهم وحاضرهم من مواقف مؤلمة ووقائع مؤسفة ناجمة عن تَخالُف أطرافها وتنابذها إلى درجة العداء بين البعض أحياناً.
تفاصيل انقسام الحركة الكردية في سوريا متشعبة وطويلة على مرّ عقود، لسنا في وارد سردها؛ ولكن مع بدايات الأزمة السورية بُذلت جهود مضنية ومخلصة لتوحيد صفوفها، وقد تأسست الهيئة الكردية العليا في تموز 2012، التي حظيت بتأييد جماهيري عارم، فلم ترُق لأردوغان الذي قال في حينه: «لا يمكن اعتبار الهيكلة الجديدة (في شمال سورية) هيكلة كردية، هذه هيكلة PYD، PKK، وسيكون لها مكان في توازناتنا الحساسة. لن نبارك هذا التكوين»، إضافةً إلى تصريحاتٍ رافضة لتلك الهيئة من مسؤولين أتراك آخرين، أعلنت بموجبها تركيا أنها لن تسمح بتشكيلٍ كردي، ورسمت (خطوطاً حمراء) لسوريا.
كان هناك تَوجهٌ عام لدى الحركة بعدم الانخراط في أطر المعارضة السورية التي كانت في حالة تشتت وتخبط، الذي شذَّ عنه بعض أحزابها، وضمن توازنات مفروضة تم جرّ المجلس الوطني الكردي ENKS إلى الانضمام لـ (ائتلاف المعارضة السورية) الذي هيمن عليه تنظيم الإخوان المسلمين وحكومتي قطر وتركيا، رغم تحفظ بعض أحزابه وتخطي شرطي المجلس في الاعتراف بإدارةٍ ذاتية للمناطق الكردية ومشاركة المجلس في (الثورة السلمية) دون العمل العسكري- المسلح.
وإن كانت الانتهاكات ونزعات الاستفراد بالسلطة والقرار من مسببات الانقسام الكردي، ولكن بقاء المجلس ENKS ضمن محور استنبول- إخوان مسلمين والضغوط التي مارستها أنقرة عليه، كانت السبب الأساس لتعمقه وفي تفشيل المرجعية الكردية التي وُلدت مشوهةً بُعيد اتفاق دهوك- تشرين الأول 2014.
وإذا قلنا أن أنقرة والإخوان وغيرهما قد فشلوا في خلق كيانات كردية مسلحة متعددة وربطها بجماعات إسلامية راديكالية، وفي افتعال اقتتال كردي- كردي، رغم محاولاتهم الحثيثة وتقديمهم عروض مال سياسي وسلاح سخية، لتتبوأ وحـدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ شرف الدفاع عن مناطقنا… فإنهم قد نجحوا في تأجيج الخلافات بين الـ ENKS والإدارة الذاتية وإبعاد المجلس عنها، وفي الاستفادة منها لتبرير عملية احتلال عفرين.
كل التنازلات لم تشفع للـ ENKS لدى حكومة أردوغان لتسمح له بالمشاركة رسمياً في إدارة منطقة عفرين المحتلة أو إدخال قوات (لشكري روژ) التي يدعي المجلس تابعيتها له إليها بدلاً عن اللصوص والإرهابيين.
صحيحٌ أن مناطق الإدارة الذاتية في شمال سوريا ليست واحةً للديمقراطية في ثنايا شرقنا المبتلى بأشكال الاستبداد والقمع والدوس على حقوق الإنسان، ولكن هناك مجال للتنمية المستدامة وتفعيل المجتمع المدني وتطوير العمل السياسي وتنويعه وتوسيعه، مع توفر الحريات العامة نسبياً والمجال لممارسة العمل الإعلامي؛ فبعض دول التحالف الدولي المناهض للإرهاب تُحاول ترتيب البيت الكردي في سياق تطوير الإدارة الذاتية وتعزيز قدراتها، إلا أن الطريق الأقصر لتحقيق ذلك هو وقف الخطاب التخويني وتقديم تنازلات متبادلة، إلى جانب ترك الـ ENKS لاستنبول والائتلاف المعارض وعودته إلى الساحة الكردية في سوريا، ليكون مفتاحاً لعملية الحوار والتفاهم مع الإدارة الذاتية، وبالتالي توسيعها بين جميع الأطراف التي ينبغي أن تعمل سوياً على عقد مؤتمر وطني كردي عام، يضع أسساً جديدة للعمل المشترك، في وقتٍ ولى فيه زمن البحث عن الحصص والصفقات، فيفتي- فيفتي أو ما شابهها.